امتدادا لأحاديثي السابقة عن القوى البشرية الصحية، لعلكم توافقونني على أن تهيئة وتدريب 69 ألف طبيب و193 ألف أخصائي صحي بدرجة البكالوريوس و572 ألف فني صحي بشهادة الدبلوم خلال 25 عاما أمر بعيد الاحتمال. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. وكأي شيء آخر في الوجود إذا بعدت الشقة بين ما هو مطلوب وما هو ممكن لا بد لنا من أن نستعرض البدائل، وحتى نقترب أكثر ما يكون من مقابلة احتياجاتنا لا بد لنا من التخطيط العلمي السليم والتنسيق الكافي بين الجهات المعنية. ولنأتِ إلى حديث البدائل: إما أن نكتفي بأن يكون لدينا طبيب لكل 800 أو 1000 نسمة بدلا من طبيب لكل 500 نسمة. أو أن نخفض معدل الفنيين الصحيين لكل طبيب، أي 6 فنيين صحيين بدلا من 8 إلى كل طبيب. أو أن نخفض نسبة السعوديين من الأطباء ليصبحوا 40% بدلا من 50% من المجموع، أونسبة السعوديين من الفنيين الصحيين ليصبحوا 60% بدلا من 70% من المجموع. هذه بعض البدائل وهناك غيرها الكثير من أجل تضييق الهوة ما بين ما هو مطلوب وما هو ممكن، في الوقت نفسه هناك عشرات الأسئلة التي يجب على المخططين الصحيين أن يطرحوها وهم يخططون لمستقبل الرعاية الصحية. مثال لذلك: هل من الأولى أن تقوم الدولة بإنشاء المستشفيات والكليات والمعاهد الصحية وإدارتها أم الأولى أن تولي هذه المهمة للقطاع الأهلي وتقوم الدولة بالتخطيط الشامل والمتابعة والتقييم ؟. ترى ما الأعداد المطلوبة من الفنيين الصحيين الحاصلين على الدبلوم مقارنة بالأخصائيين الحاصلين على البكالوريوس؟، لكي نجيب على هذا السؤال علينا أن نضع وصفا لعمل كل فئة من الفئات وما تتطلبه من تعليم وتدريب؟. ما هي التغييرات التي يجب أن نحدثها في التعليم الطبي للأطباء وبقية أفراد الفريق الصحي لتهيئتهم لتقديم الرعاية الصحية الشاملة (العلاجية والوقائية والتطويرية والتأهيلية). ولنتذكر ونحن في صدد التخطيط لمستقبل القوى البشرية الصحية أننا أمام قضية صحية وطنية أمنية في آن واحد. ففي اليوم الذي غزت فيه العراقالكويت، حملت أمتعتها أعداد لا حصر لها من الإخوة الوافدين العاملين في الخدمات الصحية وغادرت البلاد.