كان لأستاذنا الدكتور/ سعيد عبده رحمه الله ركن في صحيفة الأخبار المصرية بعنوان "خدعوك فقالوا" أستعير منه هذا التعبير لأطرح بضع قضايا يخطئ ظن الكثيرين حيالها في عالمنا العربي. خدعوك فقالوا ... أن كثرة الأطباء دليل كاف على ارتفاع مستوى الخدمات الصحية. خدعوك فقالوا .. أن كلياتنا الطبية في العالم العربي بمناهجها الحالية تهيئ خريجيها من الأطباء للوقاية من الأمراض قبل حدوثها, وتعزيز الصحة . بقدر ما تهيؤهم لعلاج الأمراض بعد أن تصيب الناس . خدعوك فقالوا .. أنه على الرغم من الاهتمام الذي توليه البلاد العربية لتنمية القوى البشرية الصحية , أن هذه التنمية تصاغ بأسلوب علمي.
نعم .. عدد الأطباء في المجتمع لا يكفي للدلالة على مستوى الخدمات الصحية فيه. فهناك إلى جانب عدد الأطباء عوامل أخرى تلعب دوراً بل أدواراً من بينها : - مدى ملاءمة تدريب الأطباء لحاجة المجتمع. ولسوف نتناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل في الفصل الخاص بالتعليم الطبي. - مدى عدالة توزيعهم بين المناطق المختلفة: هذه قضية تشترك فيها الدول العربية حيث لا يخضع التوزيع عادة إلى الحاجة الحقيقية مثل عدد السكان، وطبيعة المشاكل الصحية، وجغرافية المنطقة، بقدر ما يخضع لمدى نفوذ بعض أفراد المجتمع في منطقة ما، أو قرب المنطقة من أصحاب القرار. - نسبة الأطباء إلى الفنيين الصحيين *: في كثير من البلاد العربية يوجد نحو من ثلاثة فنيين صحيين فقط مقابل كل طبيب. في حين أن المعدل الأمثل هو ثمانية فنيين صحيين (على الأقل) مقابل كل طبيب. المجتمعات التي يختل فيها هذا المعدل تختل مقومات الفريق الصحي , بما في ذلك من هدر للإمكانات، وإحباط للطبيب، وارتفاع في تكلفة الرعاية الصحية، وتدن في مستواها. - أسلوب الإدارة الصحية: الإدارة هي عنق الزجاجة في نجاح أو فشل أي مشروع صحي. يحضرني هنا موقف له دلالة : كنت ذات يوم أمر بقرب مركز صحي في أحد مدننا الرئيسة , فخطر لي أن ألقي نظرة على ما يدور في داخله. قدمت نفسي الى موظف الاستقبال على أني مريض أطلب العلاج. أخذت مكاني أمام عيادة الطبيب وكان قبلي اثنان. كل منهما استغرق لقاءه مع الطبيب دقيقة واحدة. جاء دوري فدخلت. سألني الطبيب ما بك؟ قلت ألم في خاصرتي. قال منذ متى؟ أجبته منذ ثلاثة أيام. قال ماذا عن البول؟ قلت "يعني" و هي كلمة لا تعني أي شيء وقد تعني ألف شيء !! وسرعان ما امتدت يده لتكتب الوصفة الطبية. كبسولات مضاد حيوي ( نصف الجرعة المطلوبة ) ودواء مسكن. ولم يستغرق اللقاء أكثر من دقيقة واحدة. سألت نفسي .. أين ذهبت السنوات السبع التي أمضاها الطبيب في كليته. وتعلم فيها فيما تعلم أهمية تسجيل التاريخ المرضي والفحص الإكلينيكي والفحص المعملي والتثقيف الصحي ؟ أين القاعدة التي تعلمها في سنواته الأولى في كلية الطب و التي تقول أن المضاد الحيوي يجب ان لا يوصف للمريض إلا بعد تشخيص دقيق، وإذا وصف فإما أن تؤخذ الجرعة الكاملة منه أو لا تؤخذ؟ لسنا في مثل هذه الممارسة الطبية بدعاً بين الدول العربية. ذكرت هذه القصة في محفل علمي عقد في بلد عربي و ضم ما لا يقل عن 40 من عمداء و أساتذة الطب. وطلبت ممن يوافقونني على أن مثل هذه الممارسة منتشرة في مجتمعاتنا العربية أن يرفع يده. رفعت الأغلبية الساحقة منهم أيديها . لك أن تتخيل مفتشاً من وزارة الصحة في بلد عربي يزور مثل هذا المركز الصحي متفقداً أحواله. اهتمامه سوف ينصب على مراقبة حضور وغياب الموظفين ، وعدد المرضى ، وكميات الأدوية التي صرفت لهم، وقيدها في السجلات. لن يعني – في الغالب الأعم - ً بمستوى أداء الطبيب في علاجه لمرضاه أو بمدى تزويدهم بالثقافة الصحية ,أو بمقدار الجهد الذي يقوم به الطبيب وفريقه الصحي للارتفاع بصحة المجتمع. لك أن تتخيل في مقابل هذا مركزاً صحياً نموذجياً , هيئ مديره والأطباء والفنيون العاملون فيه لأسلوب الرعاية الصحية الشاملة (العلاجية والوقائية والتطويرية). وقد حددت لهم الأهداف التي عليهم أن يحققوها، ومعايير الجودة المطلوبة، وتكون منهم ومن بعض أفراد المجتمع مجلسً مهمته الإشراف على أداء المركز. ووضعوا أمام المسئولية وحوسبوا عليها. أليس ذلك أدعى الى تطوير المجتمع بدلاً من مجرد صرف الدواء للمرضى؟ أستميحكم عذرا في أن أنتقل بكم إلى بعض الإحصاءات عن القوى البشرية العاملة في القطاع الصحي بالمملكة , تبعاً لما جاء في التقرير الإحصائي السنوي لوزارة الصحة لعام 2008م. يعمل في المملكة 53.000 طبيباً بشرياً وطبيب أسنان. منهم 11.000 طبيب سعودي (21 % من المجموع). وإذا ما اعتبرنا أن عدد السكان (مواطنين ووافدين) 25 مليون نسمة كما جاء في الإحصاء الرسمي، فإن ذلك يعني أن لدينا طبيبا لكل 500 نسمة , وهو معدل عال بكل المقاييس. بيد أن توفر هذا المعدل العالي من الأطباء لا يكفي وحده لضمان مستوى جيد من الرعاية الصحية للأسباب التي ذكرناها آنفاً .. ويأتي على رأسها اختلال التوازن بين عدد الفنيين الصحيين وعدد الأطباء. المعدل حالياً هو 2.9 فني صحي مقابل كل طبيب. هذا المعدل متدن بكل المقاييس ويجب أن يرتفع إلى 8 فنيين صحيين لكل طبيب لضمان التوازن في الفريق الصحي. لنحسب معاً حاجتنا (تقديراً) للقوى البشرية الصحية في عام 2035م. أى بعد ربع قرن من اليوم. يومها سوف نجد عدد السكان قد تضاعف ومن ثم سنحتاج إلى 106.000 طبيب ( هذا إذا أردنا أن نحافظ على نفس معدل الأطباء إلى عدد السكان الموجود اليوم أى طبيب لكل 500 نسمة !) . وإذا ما أردنا أن يكون 60% من الأطباء يومها سعوديين ( حاليا 21% من أطبائنا سعوديون ) , فعلينا أن ندرب 53.000 طبيب سعودي خلال 25 عاما . ترى هل نستطيع؟ في اعتقادي لو أننا خططنا للأمر بأسلوب علمي وأوجدنا تناسقاً و تناغماً بين الجهات المعنية وأعنى بذلك وزارات التعليم العالي والصحة والمالية والتخطيط والقطاع الأهلي .. فسنقترب من هدفنا حتى و لو لم نبلغه . أما لو أننا تعاملنا مع الأمر بأن ننشئ كلية طب هنا و كلية طب هناك بدون تخطيط سابق ونظرة مستقبلية واضحة المعالم ففي رأيي المتواضع أننا لن نحقق هدفنا أو حتى نقترب منه. نأتي إلى حاجتنا الى الفنيين الصحيين بعد 25 سنة أي في عام 2035 ميلادية. وهي قضية أكثر تعقيدا من قضية الأطباء . سوف أستعرض هنا الوضع الحالي لهم ( استناداً إلى تقرير وزارة الصحة السنوي لعام 2008 ) ومدى حاجتنا إليهم مستقبلا : • لدينا 153.000 فني صحي ما بين مواطنين ووافدين بما في ذلك هيئة التمريض (أنظر تعريف الفني الصحي صفحة 16 ) أي أن لدينا 2.9 فني صحي مقابل كل طبيب، وهو معدل متدن بكل المقاييس . والمفروض أن لا تقل نسبة الفنيين الصحيين عن 8 لكل طبيب. • من بين مجموع الفنيين الصحيين يوجد 62.000 سعودي أي 40%. (بعضهم يعمل في أعمال إدارية). • يتوزع الفنيون الصحييون بين وزارة الصحة (55%) والقطاعات الحكومية الأخرى (26%) والقطاع الأهلي(16%). بيد أن نسبة الفنيين الصحيين السعوديين في القطاع الأهلي يكونون نسبة ضئيلة لا تتجاوز 3% من مجموع الفنيين الصحيين. مما يستدعي إعادة النظر في النظم المتعلقة بالسعودة . وأذكر عندما زارنا المرحوم الدكتور غازي القصيبي وزير العمل السابق في مجلس الشورى قلت له .. دكتور غازي أتمنى أن تسمى وزارتك وزارة التدريب . درب الشباب وأحسن تدريبهم بدعم كبير من الدولة وأطلقهم في السوق ولسوف يتخاطفهم القطاع الأهلي , بدلا من فرض نسبة السعودة التي تجد مقاومه وأي مقاومة من القطاع الأهلي . هذا ما فعلته ماليزيا وايرلندا في بداية انطلاقهما . التعليم والتدريب الجيد مكلف , ورسومه فوق طاقة طلاب القطاع الأهلي , وبدون دعم الدولة للطلاب الدارسين في القطاع الأهلي لن يصل الى المستوى الذي نتطلع اليه أو نأمله. , و يسعدني أن أهدي نفس الفكرة الى معالي وزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه • التمريض على مستويات شأنه شأن الفئات الصحية الأخرى. فمن الممرضين والممرضات من عليه أن يحمل درجة الدكتوراه ليقوم بالتدريس والبحوث العلمية في الجامعات وهؤلاء قلة. ومنهم من عليه أن يحمل الماجستير أو البكالوريوس ليتولى أعمالاً إشرافية أو دقيقة مثل العمل في غرف العناية المركزة . أما من كان يعمل منهم ذكوراً و إناثا في عنابر المرضى أو العيادات الخارجية في المستشفيات أو المراكز الصحية فيكفى أن يكون لديهم الدبلوم (3 سنوات بعد الثانوية العامة) مع الاستمرار في تطوير معلوماتهم وقدراتهم من خلال برامج التعليم المستمر. وإتاحة الفرصة لمن يرغب منهم في الحصول على درجة جامعية أن يدرس وهو/ هي على رأس العمل بنظام التجسير. إذا افترضنا أننا في حاجة إلى 25% من الفنيين الصحيين ليكونوا من حملة الشهادات الجامعية ( في هذه الحالة يطلق عليهم تعبير أخصائيين صحيين) . فإن هذا يعني أن الباقين ( 75% ) سيكونون من حملة الدبلوم. ولنعد إلى حديث الأرقام. • إذا كنا نتطلع إلى أن يكون لدينا في عام 2035 ميلادية 106.000 طبيباً ما بين مواطنين ووافدين لكي نحافظ على معدل الأطباء الحالي إلى السكان أي طبيبين لكل 1000 نسمة. • وإذا ما خططنا لأن يكون لدينا 8 فنيين صحيين ( بما فيهم هيئة التمريض) لكل طبيب وجب أن يكون لدينا 848.000 فني صحي (ذكوراً وإناثاً) لكي نصل إلى معدل مقبول من الفنيين الصحيين للأطباء. • وإذا كنا نخطط لأن يكون 70% منهم سعوديين لوجب أن يكون لدينا 593.000 فني صحي سعودي ( الموجودون حالياً على رأس العمل وعددهم 62.000 فني صحي سعودي لن يكونون متواجدين يومذاك بسبب الوفاة أو التقاعد أو تغيير طبيعة العمل) • وإذا أردنا أن يكون 25% منهم من حملة البكالوريوس و 75% من حملة الدبلوم لوجب علينا أن ندرب خلال 25 سنة 147.000 أخصائي صحي من حملة البكالوريوس و 446.000 فني صحي من حملة الدبلوم. علينا إذا أن نعد للأمر عدته وذلك بأن نقوم ببضع إجراءات أساسية :- أولاً : من الواضح أن هذه الأرقام تقديرية. علينا أن نتدارسها بموضوعية وفي إطار خطة عمل طويلة المدى نحدد من خلالها ليس فقط أعداد الأطباء والأخصائيين والفنيين الصحيين الذين سنحتاجهم ولكن أيضاً تخصصاتهم وتوزيعهم الجغرافي والمهني وطبيعة الأعمال التي سيقومون بها والعلاقات المتداخلة بينهم ومعايير الجودة في تعليمهم وتدريبهم وعملهم. سلسلة من الإجراءات بدونها لن نستطيع أن نقدم الرعاية الصحية التي نتطلع إليها. وكلنا يعرف أن القوى البشرية هي عماد الرعاية الصحية وركيزتها، تأتي في أهميتها قبل المنشآت والأجهزة والمعدات. ثانياً : أن يتم التنسيق بين وزارات الصحة , والتعليم العالي , والتربية والتعليم , والتخطيط, والمالية. وممثلين للقطاع الأهلي . لكي تقوم كل جهة منها بدورها وبتنسيق كاف بين الجميع في إعداد القوى البشرية الصحية من الأطباء والصيادلة والأخصائيين الصحيين بدرجة البكالوريوس والفنيين الصحيين بالدبلوم خلال 25 سنة القادمة. ثالثاً : أن تطور الكليات و المعاهد الصحية الأهلية كما وكيفما وبدعم كبير من الدولة لها ولطلابها . وأن يكون تحقيق مستوى عال من الأداء شرط أساس لتلقي دعم الدولة . كأي شئ آخر في الوجود , إذا بعدت الشقة بين ما هو مطلوب وما هو ممكن , لا بد لنا من أن نستعرض البدائل . وعلكم توافقونني على أن تهيئة وتدريب 50,000 طبيب و 593,000 من الأخصائيين والفنيين الصحيين خلال 25 عاما أمر بعيد الاحتمال . ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله . ولكي نقترب أكثر ما يكون الأمر من الأهداف ( حتى ولو لم نحققها كلها) لا بد لنا من التخطيط العلمي السليم والتنسيق الكافي بين الجهات المعنية . ولنأت إلى حديث البدائل: - ترى هل نخفض معدل الفنيين الصحيين لكل طبيب , أى 6 بدلا من 8 الى كل طبيب؟ - أم نخفض نسبة السعوديين من الأطباء ليصبحوا 40% بدلا من 60% من المجموع , ونسبة السعوديين من الفنيين الصحيين ليصبحوا 60% بدلا من 70% من المجموع؟ - أم نكتفي بان يكون لدينا طبيب لكل 800 نسمة بدلا من طبيب لكل 500 نسمة؟ - ترى هل من الأولى أن تقوم الدولة بإنشاء وإدارة المعاهد والكليات الصحية، أم الأولى أن تكل الأمر إلى القطاع الأهلي وتقوم الدولة بالدعم الفني والمالي , ووضع معايير الجودة , وتجعل دعمها للمعاهد والكليات الأهلية مقصورا على من يحقق مستوى عال من الجودة ؟ - ترى ما الأعداد المطلوبة من الفنيين الصحيين الحاصلين على الدبلوم مقارنة بالأخصائيين الحاصلين على البكالوريوس؟ نحن قدرنا هنا نسبة 3-1 . ولكن المسألة ليست بهذه البساطة . ولا يمكن أن نتخذ من معايير الدول الغربية معايير لنا لاختلاف الموارد البشرية والمادية . والحل الأمثل هو أن نضع وصفا دقيقا لعمل كل فئة من الفئات وما تتطلبه من تعليم وتدريب . أمر يحتاج الى بعض الجهد , ولكنه ضروري وهام لتخطيط علمي سليم. - كيف يجب أن تكون العلاقة بين الأطباء وبقية أفراد الفريق الصحي؟ هذا أيضا أمر هام لضمان الارتقاء بعمل الفريق الصحي . هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تطرح للحوار الهادف والبناء من قبل اختصاصيين في المجالات الصحية المختلفة. لا يفوتني هنا أن أتحدث عن برنامج التجسير الذي تتبناه وتدعو إليه وزارة الصحة .التجسير يعنى إتاحة الفرصة لحملة الدبلوم من الفنيين الصحيين أن يدرسوا للحصول على البكالوريوس بعد أن تحتسب لهم الفترة التي أمضوها في دراسة الدبلوم. هذا اتجاه طيب يحمد لوزارة الصحة خاصة وأن كثيراً من الفنيين الصحيين (سعوديين ووافدين) يسعون الى الارتقاء بمستواهم العلمي والمهني بالحصول على درجة البكالوريوس. المشكلة تكمن في أن النظام الحالي يشترط على من يريد التجسير أن يتفرغ للدراسة الجامعية . كيف بالله يعقل ذلك لمن كان منهم يعمل ويقبض في آخر الشهر راتباً يعول به نفسه وأسرته؟ في كل دول العالم يسمح لطالب التجسير بأن يدرس وهو على رأس العمل في أوقات فراغه. وقد ساعدت التقنيات الحديثة على أن تصل المعلومة إلى الدارس وهو في مكان عمله أو في بيته. فهل لنا أن نرجو من وزارة الصحة أن تعدل النظام بحيث يسمح لمن يرغب في التجسير بأن يفعل ذلك وهو على رأس العمل. يجرنا الحديث عن حاجتنا الملحة إلى زيادة أعداد الفنيين الصحيين إلى مشكلة البطالة في المملكة. لربما استطعنا بمزيد من الجهد نبذله في تدريب الشباب من الجنسين في المجالات الصحية أن نغطي الفجوة القائمة حالياً والتي ستزداد اتساعاً بين ما هو متوافر وما هو مطلوب من القوى البشرية الصحية. وأنقل هنا ما نشرته بعض الصحف اليومية مؤخرا عن البطالة في المملكة استناداً إلى تقرير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لعام 2009 م. " زاد معدل البطالة لدى السعوديين في عام 2009 عن مثيله في عام 2008 م. فقد وصل عدد العاطلين عن العمل 450 ألف شخص أكثرهم ممن تتراوح أعمارهم بين 20- 24 سنه حوالي النصف منهم من حملة الشهادات الجامعية !! هل هذه الأرقام صحيحة ؟؟ أرجو أن لا تكون. أشير أيضاً إلى ما نشر من أن أعداد الطلاب على مقاعد الدراسة في مراحلها المختلفة من الابتدائية إلى الثانوية تبلغ نحواً من خمسة مليون طالب وطالبة. وفي مقابلة نشرتها الصحف مع محافظ المؤسسة العامة للتعليم والتدريب المهني ذكر أن علينا توفير 3.5 مليون وظيفة خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا لا يتأتى إلا بزيادة فرص التدريب لخريجي الثانوية العامة .. فهل سيحظى القطاع الصحي بنسبة من هؤلاء؟ أما آخر ما نشر فقد كان عن بضعة آلاف من الشباب تقدموا لإشغال أقل من عشرين وظيفة خالية أعلن عنها في إحدى مديريات الشؤون الصحية.
بعد أن أثقلت عليكم بحديث الأرقام آخذكم إلى أمنية أرجو لها أن تتحقق . أتمنى على المسئولين عن التخطيط في وزارات الصحة، والتخطيط، والعمل، والتعليم العالي، ومعهم ممثلين من القطاع الصحي الأهلي أن ينسقوا فيما بينهم ويخططوا معاً لتنمية القوى البشرية في القطاع الصحي خلال ربع قرن من اليوم . ماذا يراد لها أن تكون من حيث الكم والكيف والتوزيع الجغرافي والمهني ويجيبون على أسئلة عديدة .. لماذا ؟ وكيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ وإلى أين ؟ ولنذكر أننا أمام قضية صحية وطنية أمنية في آن واحد . ففي اليوم الذي غزا فيه العراق الكويت حملت أمتعتها أعداد لا حصر لها من الإخوة الوافدين العاملين في الخدمات الصحية وغادرت البلاد. * اخترنا تعبير الفنيين الصحيين لنعنى بهم العاملين في مجال الصحة من غير الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة , ممن درسوا لمدة 3 سنوات على الأقل بعد الثانوية العامة، ويشمل ذلك العاملين في مجالات المختبر والتغذية والعلاج الطبيعي والتخدير, والإدارة الصحية , وأعمال الوقاية وصحة البيئة , وهيئة التمريض ( الذين يكونون نحو ثلث مجموع الفنيين الصحيين) . هناك مالا يقل عن 50 تخصصا ً يعمل فيها الفنيون الصحييون.