قررت هيئة التخصصات الصحية السعودية -في وقت سابق- إغلاق المعاهد الصحية وتحويل جميع المراحل الى درجة "البكالوريوس"، وهو قرار كان محل انتقاد الكثيرين، ووجهة نظرهم أن القرار الملكي بهذا الخصوص كان واضحاً بدراسة القائم وحل الإشكال وإغلاق ما يعترض مع المصلحة العامة، إلاّ أنه لم يطبق كما يجب، حيث أن ما تم هو "بتر" العضو المصاب بدلاً من علاجه، مؤكدين على أن ايقاف دبلوم "طب الطوارئ" وتحويل الدراسة إلى "البكالوريوس" هو هروب من المشكلة الحقيقية، وتعميق للمعوقات في المستقبل، كما دلّ على عدم دراسة "الهيئة" متطلبات سوق العمل واحتياجات الجهات، خاصةً هيئة الهلال الأحمر، إلى جانب الضعف في الإشراف على برامج طب الطوارئ وتقييمها. وكان أكثر الانتقادات صادرة من المسؤولين في "الهلال الاحمر" الذين ناشدوا بدراسة هذا القرار الخاطئ، وتحديداً في تخصص "فني طب الطوارئ" الذي تعاني المملكة من نقص المتخصصين فيه. التحويل إلى «البكالوريوس» هروب من مراقبة مخرجات المعاهد ومساواة الصالح بالسيئ "الرياض" حاولت استطلاع آراء عدد من المتخصصين حول أسباب الرفض للقرار وتأثيراته المستقبلية. نقص المسعفين في البداية قال "د.عبد الرحمن السويلم" -عضو مجلس الشورى ومدير جمعية الهلال الأحمر السعودي سابقاً-: إن المملكة تعاني من نقص المسعفين المدربين تدريباً عالياً، وهناك احتياج كبير لهم في قطاعات عدة من أهمها الهلال الأحمر والقطاعات الأخرى التي تهتم بنقل المرضى ومرحلة ما قبل المستشفى، مضيفاً أن هناك أيضاً تنامي في مراكز الإسعاف ولا يمكن أن تتوسع في ظل نقص المسعفين، مشيراً إلى أنه برغم أن الهلال الأحمر يتعاون مع القطاع الخاص لتخريج المسعفين، إلاّ أن الحاجة تبقى كبيرة، حيث أن نقص المسعفين المؤهلين هي مشكلة عالمية. د.عبدالرحمن السويلم وحول ايقاف تخصص "طب الطوارئ" أكد "د.السويلم" على أنه قرار غير صحيح، فالإيقاف ليس حلاًّ، بل الأفضل هو مراقبة مخرجات المعاهد وإلزامها بإعادة تدريس من لم يتجاوز اختبارات الهيئة مجاناً، ذاكراً أن ايقاف أي تعليم مع عدم وجود البديل المناسب والمطلوب، يعد انتكاسة، وحتى لو كانت المخرجات لبعض المعاهد الصحية سيئة، فإن إيقاف التخصص غير صحيح، مشدداً على أنه لابد من مخرج لهذه الأزمة بتطبيق الجودة عليها وتصنيفها حسب تميزها. هروب من المشكلة وأوضح "د.رشيد بن صالح العيد" -المدير التنفيذي بهيئة الهلال الأحمر السعودي- أن المملكة بحاجة ماسة الى فنيي طب طوارئ، مؤهلين وقادرين على العمل الميداني، لافتاً إلى أن هيئة الهلال الأحمر تعاني من قلة أعداد فنيي طب الطوارئ المواطنين، والذين هم في الأساس مركز الاعتماد للتشغيل الفعلي الميداني للعمل الاسعافي، مضيفاً أن القرار الملكي بهذا الخصوص كان واضحاً بدراسة القائم وحل الإشكال وإغلاق ما يعترض عمله المصلحة العامة، إلاّ أنه لم يطبق القرار كما يجب، حيث أن الإجراء الذي تم هو بتر العضو المصاب بدلاً من علاجه الممكن، فليس حلاً ايقاف دبلوم طب الطوارئ وتحويل الدراسة إلى "البكالوريوس"، بل هو هروب من المشكلة وتعميق للمعوقات، فما سيتغير هو زيادة عدد السنوات فقط، ذاكراً أنهم طالبوا سابقاً بالجودة في المخرجات، وناقشنا التخصصات الصحية في بعض مخرجات المعاهد الصحية، ولكن لم يتغير شئ، بل ما تم هو مساواة الصالح بالسيء، فهناك معاهد صحية متميزة وأخرى سيئة، والجودة تعني أن يتم تطبيق المعايير لتقييم هذه المعاهد، مبيناً أن ما تم هو هروب من تطبيق الجودة، وإلغاء لتخصص يحتاجه الوطن، فالهلال الأحمر بدأ يستعين بأطباء لعمل دور المسعفين، وذلك لقلة أعدادهم. د.رشيد العيد لم يكن صائباً وأشار "د.العيد" إلى أنهم وظفوا مؤخراً (150) طبيباً، رغم أن في ذلك هدراً لدور الطبيب، وهدر لسنوات دراسته، والذي ينبغي أن يتركز دوره على مهام إشرافية وتدريبية، مع تواجد جزئي في الميدان الإسعافي على نطاقات الإسعاف الجوي والفرق المتقدمة، مبيناً أنه في آخر إعلان للتوظيف لم نستطع تغطية إلاّ (50%) من الوظائف المعلنة للفنيين من حملة الدبلوم، ونحن الآن بحاجة عاجلة لتغطية الحد الأدنى من احتياجاتنا البشرية من فنيي طب الطوارئ، والتي تتجاوز (3000) وظيفة، ذاكراً أنه مع هذا القرار ستتفاقم هذه المشكلة، بل وتؤثر سلباً على الجهات المستفيدة من فنيي طب الطوارئ، وخاصةً هيئة الهلال الأحمر السعودي، مؤكداً على أن القرار الذي أصدره أمين عام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية "د.عبد العزيز الصايغ" بإيقاف الدراسة في دبلوم طب الطوارئ وتحويله إلى درجة "بكالوريوس"، لم يكن صائباً، وقد عالج المشكلة بمشكلة أكبر، فالمسؤولون بهيئة الهلال الأحمر السعودي سبق وأن عقدوا عدة اجتماعات مع هيئة التخصصات الصحية لرفع مستوى الجودة في هذا التخصص، وأبدوا استعداداً لمساعدة هيئة التخصصات في تطبيق الجودة على مخرجات طب الطوارئ، ولكن جاء القرار على عكس ماتم في الاجتماعات!. مقحم الدعجاني ضعف التقييم وذكر "د.العيد" أن إيقاف الدراسة بدبلوم طب الطوارئ جاء ليدل على عدم دراسة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية لمتطلبات سوق العمل واحتياجات الجهات، وخاصةً هيئة الهلال الأحمر، وكذلك ضعف هيئة التخصصات الصحية في الإشراف على برامج طب الطوارئ وتقييمها، متسائلاً: ماذا لو كانت مخرجات الكليات التي ستنشأ رغم عدم الحاجة الماسة لها سيئة؟، هل سنعود ونقفل أيضاً كل الكليات ونحصرها في حملة الماجستير؟، أم "نتورط" في خريجين لا يمكن توظيفهم؟، خصوصاً وأن قلب المشكلة وهي جودة التدريب والرقابة عليها لم يشف بعد، مبيناً أن حل المشكلة قبل أن تكون أزمة يعاني منها الوطن هو في إعادة دراسة مخرجات المعاهد الصحية التي تدرس طب الطوارئ وتصنيفها، مع اغلاق المعاهد المخالفة خلال فترة معينة، إلى جانب الحفاظ على إبقاء المعاهد المتميزة التي قدمت خريجين متميزين، وتدرس مناهج عالمية متوافقة مع المعايير التي تتفق عليها الجهات المعنية بالتخصص، مشيراً إلى أن ترقية طب الطوارئ إلى درجة البكالوريوس، ليس نجاحاً يحسب للمملكة، بل هو خطأ في حق الوطن، ومعالجة المشكلة بإلغاء التخصص نهائياً يُعد كارثة في مجال الإسعاف ما قبل المستشفى. الاستشارة مفقودة وقال الأستاذ "مقحم بن فلاح الدعجاني" -اخصائي طب الطوارئ ورئيس مجلس ادارة معهد طب الطوارئ: إن مطالبة وزارة الصحة والهيئة السعودية للتخصصات الصحية بتحويل برامج تدريب فنيي طب الطوارئ في المملكة الى برنامج واحد بدرجة "بكالوريوس"، هو دليل واضح على عدم إدراك وفهم للتخصص، بل وعدم استشارة ذوي التخصص والخبراء في هذا المجال، وماهو معمول به ومتبع من قبل الدول المتقدمة، والتي أسست هذا التخصص وطورت منه، مضيفاً أن فني طب الطوارئ هو تخصص حديث نسبياً بالنسبة للتخصصات الطبية في العالم وفي المملكة تحديداً، وقد حظي بالكثير من الاجتهادات من قبل الأطباء، ومن قبل المختصين من البارامدك (paramedics) في وضع مناهج لتعليم وتدريب فنيي طب الطوارئ، حيث اعتمدوا كثيراً على المناهج الأمريكية، والتي وضعت بواسطة الإدارة الوطنية للمرور وسلامة الطرق السريعة، مشيراً إلى أن المملكة قطعت شوطاً كبيراً في اتباع المناهج الأمريكية في هذا التخصص، فقد كان لابد من إيضاح هذه المناهج وتبيين الفرق بين مستويات هذا التخصص (Emergency Medicine Technician)، والوصف لكل مستوى، والمهارات التي يسمح لكل مستوى القيام بها، بالإضافة إلى المدة الزمنية لكل برنامج تدريبي، والفرق بين كل منها. أربعة أسباب وعن أسباب الاعتماد على الفنيين، أوضح "الدعجاني" أنها تعود لأربعة أسباب، أولاً: لأن علم ومهارات فني طب الطوارئ تؤخذ في الدبلوم بجميع مستوياته، وبالتالي درجة البكالوريوس لا تزيد في المهارات المهنية ولا العلمية لممارسة هذه المهنة، إنما هي أضافت بعض المواد الدراسية على الدبلوم مثل الادارة والمالية والبحث والتعليم، الخ...، وثانياً: في هذه المهنة يتعرض العاملين بها لضغوط نفسية كبيرة معروفة من مشاهداتهم للإصابات ومناظر قطع وبتر الأعضاء، مضيفاً: "السبب الثالث هو تعرض العاملين في هذه المهنة لإصابات العمود الفقري وبعض الأجزاء الأخرى من الجسد لإصابات تتسبب بعدم قدرتهم على مزاولتهم للمهنة، بسبب حملهم للمرضى والمصابين من الموقع الى سيارة الإسعاف، ومنها إلى المستشفيات"، لافتاً إلى أن السبب الرابع يتمثل في احتياج سوق العمل لهذه المهنة سريع ودائم فعادةً لا ترى شخصاً يبلغ من العمر (40) عاماً يعمل في الميدان في هذا المجال الحيوي، وبالتالي سوق العمل يطلب خريجين جدد من الشباب لأداء العمل. نقص حاد وتساءل "الدعجاني": لماذا المملكة تصبح الدولة الوحيدة في العالم التي تلغي جميع برامج الدبلومات الصحية؟، موضحاً أنه يرى السبب -من وجهة نظره- في عدم قدرة وفشل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية في مراقبة المعاهد والإشراف عليها، والقرار هو هروب من المشكلة و ليس حلاً، بل سوف يصبح هناك نقص حاد في بعض التخصصات الصحية من فئة الفنيين في الأعوام القادمة، وسوف تتفاقم المشكلة في نظام الرعاية الطبية بالمملكة، ذاكراً أنه بدلاً من أن تغلق الهيئة المعاهد الصحية الضعيفة المستوى في المخرجات، وإيقاف التسجيل في بعض البرامج الصحية، أغلقت جميع المعاهد الصحية السيئة والممتازة، بل وجميع البرامج التي يحتاجها سوق العمل، متسائلاً مرةً أخرى: هل هذا يدل على وعي وادرك المسؤولين عن هذا القرار؟، لا أعتقد!، بل ولا أعتقد أن أحداً ممن مرر هذا القرار، يستطيع أن يتحمل مسؤولية خطئه!.