اشتقت زهرة النرجس الجميلة اسمها من الأسطورة اليونانية التي تقول إن شاباً جميلاً يدعى نرسيسوس رفض حبَّ حوريّة البحر «إيكو»، فعاقبته آلهة الحب والجمال «إفروديت» بأنْ جعلته يُعجَبُ بذاته، فكان يحدق في صورته المنعكسة من بِركة ماء صافٍ دوماً وبدون انقطاع إلى أن نحلَ جسمه وذبل ومات. ومن باب الشفقة عليه لما أصابه حوّلته الآلهة إلى زهرة نرجس تحني رأسها على الماء. انطلاقا من هذا الأساس الأسطورى الرومانسي الرقيق لمفهوم النرجسية فلا بأس أن تكون قلوبنا مهيأة بمساحة مؤقتة ليمارس عليها الناس المفروضون علينا بحكم القرابة أو بحكم الزمالة أو كلاهما قليلا من النرجسية ليحدثونا عن مبادئهم الراسخة ونفوسهم الشامخة وإسهاماتهم العبقرية وعطاءاتهم السخية وهذه الدعوة إلى التسامح مع النرجسيين لم أكن لأتقبلها وأروج لها هنا إلا امتثالا لرغبة علماء النفس الذين لا ينكرون على الإنسان نصيبه المعتدل في ممارسة النرجسية الحوارية ويعتبرونها أداة صحية لتعزيز القدرات الذاتية والرفع من الاعتداد بالنفس. إن منسوبا معقولا من النرجسية يشحذ الهمة ويستدعي الاحتفاء بالذات والنظر إليها بعين التقدير، باختصار، علم النفس يقول إن بداخل كل منا نرجسي صغير يجب ألا نطلقه ولكن يمكننا أن نفسح لتبادل النرجسية بتوازن، بمعنى، أن نتقبل نرجسية الآخرين الطبيعية بصبر وصدر رحب، ومن ناحية أخرى لا مانع من أن ننرجس عليهم بشطارة وخفة وتشويق. أما هؤلاء الخارقون للطبيعة والذين يعتبرون أنفسهم هبة السماء لأهل الأرض ويجاهرون بشعورهم بالعظمة ويبالغون في تبجيل ذواتهم ويتحدثون ولا يصمتون وعندما يتحدث الآخرون يتشاغلون بأنفسهم ولا ينظرون ولا يسمعون وبعد ذلك يفاخرون بمشاعرهم الرهيفة وهم يتعاملون مع مشاعر الآخرين بالمشارط، هؤلاء لا يكتفون بلفت حواسنا قصرا وقهراً بل يرهقوننا عاطفيا بحاجاتهم المتواصلة إلى انتباهنا وانبهارنا واعترافنا بتفوقهم واستحقاقهم وإتقانهم وحسنهم وكمالهم. هؤلاء الطافحون بالنرجسية، حسب الإحصائيات العالمية، يمثلون 1 % من سكان العالم وكل واحد منهم يحمل في داخله نرجسية ال 70 مليون نرجسي والبعد عنهم واجب وغنيمة لا تقدر بمال..