عظمة على عظمة ياست ليس المقصود بهذه الجملة السيدة أم كلثوم, فقد بدأت اردد هذه الجملة خفية بشكل يومي مؤخراً كلما رأيتها. لا يتجاوز عمرها السابعة والعشرين ولكنها تتصرف بعظمة مسؤول في العقد السادس من عمره. لا أقصد بتلك العظمة ذلك العلم أو الوقار ولا ذلك الالتزام والرأفة ولست أقصد بتلك العظمة عظمة العقل أو المنطق ولكن عظمة على عظمة يا ست هو مصطلح احييها فيه تحية خفية لأخفي عنها حقيقة إصابتها بداء النرجسية. لأول مرة خلال تجربتي القصيرة في الحياة أقع في صدام مع أحد النرجسيين, وها أنا أجد عقلي بدأ يتساءل كيف يجب علي التعامل مع مثل هؤلاء الاشخاص خاصة إن كان رئيساً أو مديراً؟؟ هل كل شخص يحمل مثل هذه الصفات هو حقاً شخص يحتاج لتدخل طبي أولعلاج نفسي؟؟ لا أعلم ما الذي يفكر به الشخص النرجسي حين يبدأ بالصراخ في وجهك ويتوقع منك أن تقول حاضر و(على أمرك ياسيدي)؟؟. النرجسية لمن لا يعرفها هي مصطلح يعني افتتان الذات بنفسها, وقد استقاه المحلل النفساني سيجموند فرويد من الاسطورة اليونانية التي تحكي أن (ناريس) كان آية في الجمال وقد عشق نفسه عندما رأى وجهه في الماء. اختلف المؤرخون في تفاصيل القصة فبعضهم قال إن نرجس أغمد خنجره في صدره وقد روت دمه الأرض، ومن هذه الأرض نمت زهرة النرجس البيضاء بعروقها الحمراء”. والبعض الآخر قال : إن شاباً جميلاً يدعى نرسيسوس Narcissus رفض حبَّ حوريّة البحر (إيكو)، فعاقبته إلهة الحب والجمال (إفروديت) بأنْ جعلته يُعجَبُ بذاته أو صورته أو خياله، فكان يُحدِّقَ في صورته المنعكسة في بِركة ماء صافٍ دوماً وبدون انقطاع إلى أن نحلَ جسمه وذوى فمات. وكشفقة عليه لما أصابه حوّلته الآلهة إلى زهرة نرجس تحني رأسها على الماء .مهما كانت حقيقة الأسطورة اليونانية فقد مكنت فرويد من اكتشاف هذه العقدة، لذلك يدعى حب النفس بالنرجسية. (الصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي الأنانية فالنرجسي عاشق لنفسه ويرى أنه الأفضل والأجمل والأذكى ويرى الناس أقل منه ولذلك فهو يستبيح لنفسه استغلال الناس والسخرية منهم.و النرجسي يهتم كثيرا بمظهره وأناقته ويدقق كثيرا في اختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين وكيف يثير إعجابهم, ويستفزه التجاهل من قبلهم جدا ويحنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الاعجاب).(*). اتهم الكثير من النقاد المتنبي بالنرجسية والتي تتجلى واضحة في شعره وخاصة حين قال: وكل ما خلق الله وما لم يخلق.. محتقر عن همتي كشعرة من مفرقي. ولكن البعض يرى أن النرجسية بحد ذاتها ليست مرضاً أو علةً في شخصية المرء بل هي إحدى المميزات التي قد تدفعه للتفوق والتميز. فيرى إريك فروم erich fromm في كتابه (عظمة وقيود فكر فرويد) إن معظم الفنانين والكتاب المبدعين والراقصات والسياسيين من ذوي الشخصيات النرجسية إلا أن هذه النرجسية لا تتداخل في فنهم بل تساعدهم فيه. ووفقاً له فإن هؤلاء النرجسيين يجسدون صورة لما يجب أن يكون عليه الإنسان العادي!! يناقش فروم في كتابه أيضاً مايسمى بالنرجسية الجماعية فترى بعض الاشخاص في مجتمع معين يؤكدون أنهم الأكمل مع إحساس بالتقوى والأفضلية (نحن رقم واحد بالنسبة لشعوب العالم). ووفقاً لفروم فإن النرجسية الجماعية قد ترتبطً ايضاً بالأنظمة الاقتصادية التي تقوم على الأنانية وتحاول تحقيق الحد الأقصى من الأرباح على حساب الآخرين. ويرى أيضاً أن النرجسية مفيدة جداً للحكومات عندما ترغب على سبيل المثال في حشد شعوبها وتجهيزها لخوض الحروب. ولكن بعد كل ماقيل عن النرجسية وعن كونها ميزةً لا مرضاً أو مرضاً مميزاً يرتقي بالشخص ولا ينقص منه بغض النظر عن الضرر الذي سيلحقه بمن حوله, هل يجب علينا أن نتحول إلى أشخاص نرجسيين وأن نعتنق ثقافة التنرجس لنتميز؟!! وهل يمكننا أن نأخذ من النرجسية مميزاتها ونترك عيوبها فنصبح قادرين على حب أنفسنا فنرتقي بها مع ترك مساحة لتقبل الاخر ومحبته. هل يمكننا أن نجمع ما بين فرويد وفروم ومعتقداتنا فنخلق نظرية يعتنقها الاشخاص وثقافة تتبناها المجتمعات نطلق عليها نرجسية مابعد التعديل, أم أنها مجرد خيال؟!!. (*) ويكيبيديا- النرجسية