يُقال إن النرجسية مستقاة من أسطورة يونانية تدعي أن شاباً اسمه نرسيس فتن بجماله فتنة جعلته يمتلئ شعوراً بالفوقية ولفرط هذا الشعور والإعجاب كان ينظر لمن حوله نظرة الاستعلاء، يقف دوماً أمام بحيرة مغتراً بجمال وجهه المنعكس منها إلى أن سقط بها ومات ثم نبتت بقرب تلك البحيرة زهرة سميت النرجس. * * * الشخصيات الشهيرة بنرجسيتها في التاريخ كثيرة في غالب أمرها قادتها نرجسيتها إلى الهلاك والعزلة.. ولست هنا متحدثاً عنها ففي صفحات التاريخ ما قد يكون سد جزءاً من رمق الإطراء الذي يسكنها.. ولست متحدثاً عن النرجسية من منظور علم النفس بقدر ما هي محاولة للوقوف على جانب قد يكون دافعاً من دوافعها إنه (الامتلاء). * * * أكانت تلك الأنفس نحن أم أخرى تقاطعت معنا فلن نستطيع النظر لها بمعزل عن محيطها، فاليابسة بلا إحاطة ماء لن تكون جزيرة.. ولأن كثيراً من جزئيات هذا الكون صورة مصغرة لما هو أكبر فإن الامتلاء الذي يملأ كثيراً من تلك الأنفس هو ابن شرعي لامتلاء حياة مزدحمة بكل شيء..فكل شيء حولنا ممتلئ.. مشاعرنا.. عقولنا.. طرقاتنا.. حتى الفراغ الذي كنا نخاله فراغاً أضحى موجات تحمل صور العالم وصوته همساً وصخباً يمر ما بين أسوارنا وأبوابنا.. دفاترنا ملأى بماض ازدحمت فيه ذاكرتنا وقادمنا مملوء بآمالنا وأحلامنا التي غطت مساحاته وزادت.. وكثير من تلك الامتلاءات صنع لنا برجاً من خيال نرى منه غنانا يعلي سور منازلنا وقدرتنا تبني لنا اكتفاء عن أي عون ومساحات حريتنا تبيح لنا امتلاك ما جاورها. كل هذا وغيره قد يصنع في دواخلنا نرجسيتنا التي ترينا عيوبنا جمالاً لا يمكننا إلا الإعجاب به والسعي وراء الامتلاء منه ولو خيالاً ينسينا أن بعد الامتلاء فراغ وبعد الصخب صمت، فكل حياتنا بنيان قامت أركانه على مفارقات تملأ ما بين صرخة مولود وصمت ميت. * * * لكن يجب أن نتذكر أن كثيراً من تلك الأنفس (النرجسية) لربما كانت أقل من أن يلحظ فعلها أحد حتى ولو كان ذنباً.. ولو علمت بذلك لرددت مقولة (برناردشو): (أقسى من ارتكاب الخطأ أن تكتشف أنك لست من الأهمية بحيث يلحظ الناس خطأك). [email protected]