كان نخل العقيق طاعنا في ذاكرة الأجيال برشاقته الملحوظة وقامته الشامخة إلى عنان الجنى، ولم يكن أهالي السراة يغيبون عن زمن « الحضرة» إذ كانوا ينتقلون بعائلاتهم إلى العقيق شرقا الذي يحتضنهم كأب رؤوف، وتتمثل للأعين مفاهيم التكافل والتعاون في زمن الإنتاج إذ يسهم السرويون في جز عذوق النخل وفرز الرطب عن التمر، وتعبئته في أكياس من الخيش مخصصة لذلك « منها العدلة ، والجالوق» وكان وادي العقيق الممتد من السراة إلى بيشة ووادي الدواسر يحفظ نداه ويحرس ينابيعه الرقراقة، ويحافظ على خضرة السعف، حتى مرت المنطقة بسنوات القحط وانغلقت نافذة السرويين على « سلة غذائهم» فاضطرت وزارة المياه إلى إنشاء سدود لتوفير المياه لسقيا المنازل والاستعمال البدني ما تسبب في جفاف معظم مزارع العقيق، وتضاءلت تلك المساحات المنمنمة بالباسقات، ولم يعد للعصفور متكأ لينقش سمفونية الفرح، ويوضح سعيد الغامدي أن العقيق كان سلة التمور خصوصا « الصفري» للسراة إذ أنه كان منذ سبعين عاما واحة غناء أوديته عامرة بالمياه ونخيله ترصع الجهات بأقراطها الذهبية، مشيرا إلى أن شح المياه أسهم في تراجع الإخضرار وعلا الشحوب ملامح سيدة المكان، حتى لم تعد كما نعهدها وحمل جانبا من المسؤولية أهالي العقيق كون المزارعين تكاسلوا عن خدمة مزارعهم واستعاضوا بالوظائف وتخلوا عن العلاقة بالأرض واستوعبوا تحولات الواحات والهجر والبوادي إلى مدن صغيرة يسهر أهلها ليلا وينامون بقية النهار، من جهته أوضح مدير فرع وزارة المياه المهندس محمد آل عضيد أن إنشاء السدود تزامن مع شح الأمطار وقلة الموارد المائية ما اضطر الوزارة إلى تبني مشاريع السدود، وحصر منفعتها في سقيا البيوت والاستخدام الشخصي فقط، فيما كشف مصدر زراعي أن نخل العقيق تراجع إلى 35 ألف نخلة وهذا العدد يمثل 5 في المئة مما كان عليه قبل سبعين عاما مؤكدا أن انقراض النخيل وارد مع شح الماء وتوقف مياه وادي العقيق عن الجريان، لافتا إلى أن زراعة الباحة كانت تقدم إعانات لمزارعي النخيل تصل إلى 4 ملايين ريال سنويا وأن الإعانة تقلصت إلى 30 في المئة منذ خمسة أعوام تقريبا، فيما وعد رئيس الجمعية الزراعية التعاونية في الباحة الدكتور عبدالله الخضر أن تبذل الجمعية قصارى جهدها في محاولة إعادة استصلاح وإحياء زراعة النخيل في العقيق من خلال مزارع قريبة من السدود مؤملا أن تتعاون مديرية الزراعة والأمانة في توفير مساحات تستثمرها الجمعية لخدمة المنطقة وأهلها، لافتا إلى أهمية التفكير في وسائل ري بديلة تجمع بين إرواء النخيل وبين عدم هدر المياه.