تتصدر العام الميلادي الجديد قضايا حيوية في العالم العربي هي امتداد لأزمات قديمة وحديثة، بعضها ناتج عن سياسات ثابتة ومتغيرة، وبعضها الآخر ثمرة الحراك الشعبي الذي انطلق قبل ثلاث سنوات. وإذا أردنا التحديد أكثر فإن قوس الأزمات الملتهبة من أفغانستان إلى فلسطين وما وراءه وحواليه، ينضح بجملة من التطورات المتسارعة، والتي من شأنها أن ترسم الصورة التقريبية لهذا العالم في السنوات المقبلة. ففي هذا العام، تبدأ القوات الأمريكية انسحابها الكبير من أفغانستان، وهو عامل استراتيجي مهم سيغير من التوازنات الإقليمية وربما يفجرها، مع ترقب إيران لتلك الخطوة التي قد تكون فرصة توسع أو باب خطر، كما أنه ينعكس حتما على التوازن القلق بين الهند وباكستان مع احتمال ازدياد نسب التوتر بين البلدين فيما لو استؤنف الاحتراب في أفغانستان بين القوميات المؤيدة من قوى خارجية. وفي العراق، ورغم الانسحاب الأمريكي، فإن الاضطرابات الدموية تعود إلى سابق عهدها وتتفاقم؛ بسبب إقصاء المكون السني وتهميشه كسياسة ثابتة لرئيس الوزراء نوري المالكي، وهو ما يهدد الاستقرار الهش وينذر بانفجار وشيك. ولو توقفنا عند حالتي أفغانستانوالعراق لعثرنا على جذور المخاوف الإيرانية في المرحلة المقبلة، فما شيدته طهران من نفوذ قوي إبان سنوات الاحتلال في هذين البلدين تحت غطاء القوات الأمريكية، بات معرضا للعواصف الهوجاء إثر انسحابها، وكان يجدر بقادة إيران التنبه إلى أن سياسات التوسع الملتبس ليست ناجحة على مدى بعيد، فكيف لو أمعنا النظر فيما يحدث في سوريا وهي أضحت امتدادا طبيعيا لنفوذ طهران في العراق المجاور؟. إن الثورة الشعبية السورية التي تحولت إلى انتفاضة عسكرية بكل معنى الكلمة، لم تزعزع النفوذ الإيراني في سوريا وحسب، بل امتد الأثر إلى سائر بلاد الشام، وعلى الأخص لبنانوفلسطين، وشاع النفور في بقية البلدان من سياسات إيران، ذات النظرة المذهبية الضيقة، وهو ما وضع المنطقة العربية بأسرها على حافة صدام غير مسبوق. وإن بؤرة الحل الشامل للعقدة الإيرانية تكمن في دمشق نفسها، حين تعترف طهران بالحقوق الأصيلة للشعب السوري في تقرير مصيره واختيار حكامه دون تدخل من أحد، من خلال إيجاد الصيغة المناسبة لتفاهم جنيف1 في جنيف2 . ومن هذه النقطة بالذات، يمكن تصحيح الأوضاع في سائر المنطقة، حين تتخلى إيران عن مشروعها التوسعي، لكن الأمل ضئيل في حدوث ذلك قريبا. هذا العامل المتفجر المستحدث أضيف إلى الأزمة المستعصية في فلسطينالمحتلة، حيث تبرز كذلك وعلى المستوى نفسه مسؤولية واشنطن أولا، وعواصم القرار في الغرب ثانيا، عن التأخر غير المبرر في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية المزمنة، وهي من أخطر عثرات الأممالمتحدة منذ تأسيسها. ورغم استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلا تباشير بأي اختراق حقيقي في الأشهر المقبلة، مع ارتفاع وتيرة الاستيطان وتسارع تهويد القدس. أما مستقبل مصر، فيما سمي بالربيع العربي، فيبقى مرتبطا في الأشهر المقبلة بمراحل تطبيق خريطة الطريق، ومن المؤكد أن استعادة مصر لعافيتها سيكون له أثر استراتيجي إيجابي على سائر المنطقة، فيما تدهور الأمن في ليبيا المجاورة وتعثر قيام الدولة فيها في النصف الثاني من العام المنصرم ينذر باضطرابات أعمق في العام الجديد.