يتّبع الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب نمطًا إداريًا غير تقليدي يعتمد بدرجة كبيرة على الحدس والغريزة الشخصية، بحسب تصريحاته المتكررة. ويقول ترمب صراحة إنه يتخذ قراراته بشكل «غريزي» وليس بناءً على دراسات أو استشارات مؤسسية. وهذا النمط في الحكم يثير انتقادات واسعة داخل الأوساط السياسية والأكاديمية الأميركية، حيث يرى مراقبون أن ترمب يتعامل مع السلطة التنفيذية بطريقة فردية، متجاوزًا الأعراف المؤسسية والإجراءات الرسمية التي تضبط عمل الرؤساء في النظام الديمقراطي الأمريكي. وهي إستراتيجية تفتقر للمؤسسية وتثير مخاوف داخلية وخارجية. حكم سلطوي ويصف المؤرخ تيم نفتالي من جامعة كولومبيا سلوك ترمب بأنه أقرب إلى أنماط الحكم السلطوي، مضيفًا أن تصرفاته تتسم بالمركزية الشديدة ورفض آليات التوازن الداخلي، الأمر الذي يقلق مؤسسات الحكم ويجعل السياسات العامة مرهونة بتقلبات شخصية يصعب التنبؤ بها. كما يشير منتقدون إلى أن ترمب اتخذ قرارات مباشرة خلال ولايته السابقة دون المرور بالهياكل الرسمية، من بينها التدخل في عمل وزارة العدل، وتوجيه مؤسسات فيدرالية للعمل وفق توجيهاته الخاصة، بالإضافة إلى تصريحات مثيرة للجدل تتعلق بالشؤون الاقتصادية والطاقة والبيئة. الافتقار للشفافية وعلى الصعيد الخارجي، ربط ترمب السياسة الخارجية برؤاه الشخصية، كما حدث في رغبته السابقة بضم جزيرة جرينلاند، واستخدامه الرسوم الجمركية كأداة ضغط دون حساب للعواقب الاقتصادية على المستوى الدولي. ويرى محللون أن هذا النمط يفتقر إلى الشفافية والمحاسبة، ويضعف من قدرة المؤسسات على أداء دورها الرقابي. كما يربك الحلفاء في الخارج الذين يعتمدون على وضوح السياسات الأمريكية واستقرارها. ويحذر خبراء من أن استمرار هذا الأسلوب قد يؤدي إلى تبعات سياسية واقتصادية وأمنية غير محسوبة، لا سيما في ظل التوترات الدولية وتغير موازين القوى العالمية. ويعتبر البعض أن عودة ترمب للحكم بهذه العقلية قد تُدخل النظام الأمريكي في حالة من عدم الاستقرار الإداري والسياسي. رئيس بالحدس لا بالخطة ويبدو أن ترمب لا يعير اهتمامًا للطرق المؤسسية المعتادة في صنع القرار. يرفض المسارات التشاورية الطويلة، ويتخذ قرارات مفصلية بناءً على شعوره اللحظي، دون أن يجد في ذلك خللاً. سلطة بلا سقف ولم تكن تصريحات ترمب عن «تفوق حدسه على عقل أي خبير» مجرد استعراض، بل باتت واقعًا ينعكس على كل مفصل في الإدارة الأمريكية. عين نفسه رئيسًا لمركز كينيدي للفنون، طالب بتعديل تدفق المياه في المراحيض، ووجّه وزارة العدل للتحقيق مع معارضين سابقين. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين اعتبر اللوائح التقليدية للنقاش العام غير ضرورية «لأنه أمر بإلغائها». وكل تلك القرارات لم تمر عبر لجان، ولم تُناقش داخل غرف مغلقة، بل خرجت مباشرة من "الرئيس الغريزي" إلى ساحة التنفيذ. من الداخل إلى الخارج وترمب لا يكتفي بفرض حدسه على السياسات الداخلية. بل إن طموحه يمتد إلى إعادة رسم ملامح العلاقات الدولية. من رغبته المثيرة للجدل بضم جرينلاند، إلى التلويح برسوم جمركية تُعلن كحالة طوارئ وطنية، يبدو أن الخارطة السياسية العالمية تعيد ترتيب أولوياتها وفق «مشاعر ترمب». وقال نائب الرئيس جيه دي فانس خلال زيارة لجرينلاند: «لا يمكننا تجاهل رغبات الرئيس». منهجية حُكم ويتعامل ترمب مع السلطة بوصفها امتدادًا لشخصه، وليست نظامًا تقيده المؤسسات أو المراحل. ففي إحدى إفاداته خلال قضية مدنية تتعلق بثروته، قال إن قيمة صافي ثروته «تتغير تبعًا للمشاعر والأسواق والمواقف، وأحيانًا حتى مشاعري أنا». وهذا المزج بين الشعور الشخصي والقرار السياسي أصبح النمط السائد في فترته الرئاسية الأولى، ويبدو أنه يُهيّئ الأرضية لعودته إلى الحكم بأسلوب أكثر جرأة. البيت الأبيض والمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، اختزلت الموقف بعبارة واحدة: «أثق بالرئيس ترمب، إنه يعرف ما يفعل». ولكن هذا الإيمان الكامل بالرئيس، بحسب محللين، لا يُترجم دائمًا إلى نتائج مستقرة، خصوصًا عندما تصبح السياسة العامة مرهونة ب«أهواء رجل واحد»، كما وصفها سكوت لينسيكوم، نائب رئيس معهد كاتو المحافظ. هل تنجح التجربة؟ ورغم التراجع في الأسواق، والتقلبات الحادة في السياسة الخارجية، فإن ترمب لا يزال يُمسك بخيوط اللعبة، ويقنع شريحة واسعة من الأمريكيين أن «حدسه» أفضل من الخبرة، وأن «الشعور» يغلب التحليل. ويقول مستشاره بيتر نافارو: «سنعقد 90 صفقة في 90 يومًا. هذا ممكن». لكن البعض يعتقد أن ما سيخرج في النهاية ليس سوى «هراء سطحي»، بحسب وصف خبير الاقتصاد سكوت لينسيكوم، الذي أضاف: «ترمب سيعلن انتصارًا.. والعالم سيتأقلم». • ترمب يعتمد على الغريزة في قراراته، ويقول إنه يتخذها دون ورقة أو قلم، بل بناءً على حدسه الشخصي. • يُمركز السلطة حول شخصه، متجاوزًا الأعراف السياسية ومُتخذًا قرارات مباشرة دون المرور بإجراءات مؤسساتية. • يتعامل مع السياسة الخارجية كامتداد لمصالحه الشخصية، كما في سعيه لضم جرينلاند وزيارة نائبه للجزيرة. • يرى أن ولايته الثانية تمنحه سلطة أكبر، ويؤكد أنه حين يأمر بشيء «يُنفذ فورًا». • تسود حالة من الترقب حوله، إذ لا أحد يمكنه التنبؤ بخطوته التالية، حتى داخل إدارته. • اقتصاد البلاد والعالم يتأثر بمزاجه، كما حدث عندما أعلن حالة طوارئ تجارية لفرض رسوم جمركية، ثم تراجع عنها لاحقًا. • ينتقده خبراء لغياب منهجية اتخاذ القرار، ويصفه البعض بأنه يُراهن بكل قرار وكأنه «يرمي النرد». • البيت الأبيض يدافع عن قراراته الغريزية، ويؤكد أن الأمريكيين يجب أن يثقوا في حدس الرئيس. • نقاده يخشون من تحوّل السلطة إلى شخص واحد، خاصة في قضايا معقدة كالتجارة الدولية والسياسات الثقافية.