كان من الطبيعي أن أسأله عن سورية وإيران. هذا موضوع الساعة. والرجل يعرف البلدين والقيادتين. وكان صريحاً كعادته. قال: «إذا كان الكلام سيُنشر باسمي فإن موقعي يُلزمني بالتحفّظ، أما إذا شئت كلاماً صريحاً فلا تذكر الاسم». ولأنني أبحث عن كلام صريح وافقتُ على الخيار الثاني. قال كلاماً دقيقاً ومفيداً وها أنا أوجزه. - انظُرْ الى المنطقة في السنوات القليلة التي سبقت «الربيع العربي». إيران في موقع القيادة. نفوذها في العراق واضح وينتظر جلاء القوات الأميركية. علاقتها مع سورية عميقة مع خلل واضح لمصلحة طهران. قيادة إيرانية صريحة لمحور الممانعة الذي يمتد من طهران الى سورية ولبنان وصولاً الى فلسطين عبر «حماس» و «الجهاد». - في النصف الثاني من العقد الماضي حققت إيران نجاحات غير مسبوقة. حرب تموز (يوليو) في لبنان وإدخال الصواريخ الإيرانية في معادلة الأمن الإسرائيلية وحرب غزة التي رسّخت الحضور الإيراني في الساحة الفلسطينية وعبر حليف سنّي و «إخواني» هو «حماس». - على الساحة اللبنانية ومنذ انسحاب القوات السورية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري صارت إيران اللاعب الأول إذ ان دمشق باتت تمارس حضورها في لبنان عبر «حزب الله». وفي هذا السياق يمكن فهم أحداث 7 أيار (مايو) ولاحقاً إخراج سعد الحريري من رئاسة الحكومة. - قبل ذلك أحبطت إيران، عبر «حماس» و «الجهاد»، المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في عهد ياسر عرفات ولاحقاً في عهد محمود عباس. - مع الانسحاب الأميركي من العراق وبقاء نوري المالكي في موقعه صار خط الممانعة يمر في بغداد وانضوت سياسة سورية في العراق تحت المظلة الإيرانية من دون تمايز. - شكّل «الربيع العربي» مفاجأة غير سارة لإيران. كانت مستفيدة من عهد حسني مبارك. أي من وجود قيادة مترهلة وجامدة يتهمها محور الممانعة بخدمة المشروع الأميركي في المنطقة. أفادت إيران كثيراً من انحسار دور مصر وتقلّصه. مع تولي محمد مرسي الرئاسة في ذروة النزاع الدائر في سورية أُصيبت إيران بأضرار فادحة. موقف مرسي قاطِعْ لجهة ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد. - تجد إيران نفسها اليوم أمام جدار إقليمي، يمكن ان تسميه جداراً سنّياً ينطلق من توافق بين مصر مرسي وتركيا أردوغان وهو مفتوح على التعاون مع الكتلة العربية الخليجية لا سيما في الملف السوري. هذا الواقع غيّر اللعبة في المنطقة وغيّر قواعد اللعبة. - يمكن أن نضيف إلى ما تقدم أن محور الممانعة خسر امتداده السنّي الوحيد حين اختارت «حماس» مغادرة سورية وانتقلت في الأيام الأخيرة الى وصف ما يجري فيها بأنه «ثورة شعبية». - لهذا يمكن القول إن إيران تخوض في سورية «أم المعارك» فهي تدافع هناك عن دورها وحدودها واستثمارها الطويل في سورية كعقدة في المنطقة وكممر الى «حزب الله». وهي تدافع هناك ايضاً عن مكاسبها في العراق ولبنان. - يخوض «حزب الله» في سورية معركة وجود، فهو يُدرك حاجته الى المعبر السوري للبقاء لاعباً إقليمياً وللقدرة على إطلاق حرب أو مواجهة حرب. من دون سورية يعود «حزب الله» لاعباً محلياً محكوماً بلعبة الطوائف وأحجامها. - تعرف إيران ان سقوط نظام الأسد وقيام نظام بديل متحالف مع تركيا سيفتحان الباب ربما لإيجاد وقائع جديدة في العراق ولبنان. هذا يعني ببساطة نهاية الدور الكبير لإيران وينذر بضرب صورة قيادتها، خصوصاً في ضوء متاعبها الاقتصادية الناتجة من العقوبات الغربية وأثقال التزاماتها في الإقليم. - يصعب الاعتقاد ان نظام الأسد سيستطيع العودة الى حكم سورية على غرار ما كان قائماً قبل امتداد «الربيع العربي» إليها. أغلب الظن أن إيران تدرك ذلك لكنها تحاول تمديد عمر النظام رغم التكاليف، وقد تؤدي هذه السياسة الى تحويل سورية افغانستان عربية مقلقة لتركيا وإسرائيل ودول أخرى. - تخوض إيران «أم المعارك» في سورية فهي لا تستطيع احتمال خسارة معركتين: معركة الدور ومعركة القنبلة. وجدتُ في كلام المتحدث ما يستحق التوقف عنده، خصوصاً انه يعرف جيداً دمشقوطهران وأصحاب القرار فيهما.