ظل المجتمع لوقت طويل ولفترات قريبة يتعامل مع قضية (التبرع بالأعضاء) بتوجس وخوف بسبب عدم وضوح الرؤية والضبابية التي اكتنفت الأمر من الناحيتين الشرعية والطبية.. هذا التردد والقلق حسمته هيئة كبار العلماء، حيث أباحت التبرع بالأعضاء من خلال قرارها بالرقم 99 وتاريخ 6/11/1402ه حيث قرر المجلس بالإجماع جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه إذا دعت الحاجة إليه وأمن الخطر في نزعه وغلب على الظن نجاح زرعه. وقرر أكثرية الأعضاء جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه وجواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك. وفي هذا الشأن حدد المركز السعودي لزراعة الأعضاء عبر لجانه المختصة المواصفات الخاصة بإنشاء مراكز لزراعة الكلى والكبد، الأمر الذي سهل الإجراءات أمام المتبرعين. أرقام وحقائق وطبقا لبيانات التبرع بالأعضاء وزراعتها من المتوفين في العام 2012، فقد بلغ عدد حالات الاشتباه بالوفاة باستخدام القرائن الدماغية المبلغة للمركز السعودي لزراعة الأعضاء 631 حالة أتت من 94 مستشفى بها وحدات للعناية المركزة تم توثيق التشخيص للوفاة باستخدام القرائن الدماغية في 324 حالة (51 %)، بينما تمت مقابلة الأهل في 271 حالة أي ما يعادل (84 %) من مجموع الحالات التي تم توثيقها وحصل المركز على 93 موافقة للتبرع بالأعضاء (34%) من عدد الحالات الموثقة والتي تم فيها مقابلة الأهل، ومن جملة حالات الموافقة هذه فقد تم استئصال الأعضاء في 83 حالة (89 %). وقد شكل رفض الأهل التبرع بأعضاء ذويهم المتوفين (66 %) من مجموع الحالات المشخصة.. في هذا العام تمت زراعة 118 كلية بالتبرع من متوفين دماغيا وزعت بين تسعة مراكز حكومية لزراعة الكلى داخل المملكة، كما أجريت 50 عملية لزراعة الكبد بالتبرع من المتوفين (تمت زراعتها في كل من مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالرياض، مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ومستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام). شهدت مدينة تبوك مؤخرا عدة حالات للتبرع بالأعضاء منها الشاب جابر عوض الشهري طالب كلية الطب في جامعة الملك خالد بأبها الذي تبرع لوالده بكليته وأجريت العملية في مستشفى الأمير سلمان العسكري، ويتحدث جابر أن التبرع بالأعضاء أمر عظيم، وخيره وافر فهو من الناحية الإنسانية شعور بالرضى بعد أن ترسم ابتسامة كبيرة على وجوه المرضى وأيضا هو مطلب شرعي أجره عظيم عند المولى سبحانه وتعالى، وأشاد جابر بالفريق الطبي الذي أجرى العملية، كما وجه الشكر لجميع المشاركين وكافة أفراد المستشفى على عنايتهم ورعايتهم منذ دخوله المستشفى حتى خروجه. مسن: آخرون أولى بالتبرع «عكاظ» زارت مستشفى الملك خالد في تبوك ورصدت عددا من الحالات التي تنتظر المتبرعين في وحدة الغسيل الكلوي. والتقت بالشاب حمد عوض محمد الشهراني البالغ من العمر 24 عاما حيث ظل لمدة تسع سنوات تحت رحمة الغسيل في المستشفى وتحدث بنبرة حزينة عن تركه للدراسة بسبب الغسيل الكلوي الذي يتطلب منه الحضور ثلاث مرات في الأسبوع، إذ تستمر الجلسة الواحدة للغسيل ثلاث ساعات ونصف، وأشار إلى أن الإبر رسمت وسما على يديه ويأمل حمد بزراعة كلية كي يتمكن من إكمال دراسته ويمارس حياته بشكل طبيعي. أما محمد عبده عسيري الطاعن في السن فقد بدأ بغسيل الكلى منذ سنة ونصف سنة، وقال إنه لا ينتظر المتبرعين لأنه يرى من هو أحق منه بتلقي التبرع، وقال «أرجو كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أن يتبرع لإخوانه، هناك أسر بحاجة ماسة لعائلها الذي يعاني إما من مشاكل في الكبد أو فشل كلوي، وبإمكان كل إنسان أن يقوم بالتبرع في حال تطابقت الأنسجة.. هذا فعل خير أجره عظيم عند الله». حوادث وسكتة قلبية الدكتور فرند خضر أخصائي كلى في مستشفى الملك خالد في تبوك يتحدث عن نوعين من زراعة الأعضاء بالأخذ من الأحياء أو الأخذ من المتوفين دماغيا ممن تكون بقية الأعضاء الحيوية موجودة لديهم وفي حالة تسمح باستئصالها لزراعتها لمريض آخر مثل القلب والرئة والقرنية أو الكلى، وحالات المتوفين دماغيا هي الأكثر انتشارا في مستشفيات المملكة بسبب الحوادث أو السكتة القلبية، أما التبرع من الأحياء فهي غالبا ما تكون من الأقرباء لصالح أقاربهم ونادر أن تكون من الغرباء. الدكتور فرند يشير إلى أن مريض الكلى في حال وصل إلى مرحلة الغسيل تكون حياته شبه معطلة كونه يضطر للغسيل ثلاث جلسات في الأسبوع وكل جلسة تستغرق تقريبا أربع ساعات مما يضطره إن كان موظفا أو طالبا لترك عمله ودراسته وهذا يعوقه تماما عن إكمال حياته بشكل ميسر، وهناك أيضا أمراض مصاحبة للغسيل كاضطرابات الدم والاضطرابات النفسية.. وبحسب الدكتور فرند فإن الحل الأساسي لمرضى الكلى هو الزراعة وإيجاد متبرعين لأن هذا من شأنه أن يضع حدا لمعاناة المرضى للكلى. الدكتور فرند يقول إن هناك نشاطا ملحوظا حول التبرع بالكلى من الأقارب ونسبة النجاح كبيرة مع التطور الذي تشهده المملكة في المجال الطبي والصحي عموما . وأبان ان عمليات زراعة الكلى تحديدا سهلة ليس فيها آلام للمتبرع، وتتم العملية تحت التخدير الكامل، بحيث لا يشعر المتبرع بشيء أثناء إجراء العملية? وبعد العملية يتم إعطاء الأدوية المسكنة للألم للمتبرع عند الضرورة بحيث لا يشعر بآلام العملية. ويتحدث الكثير من المتبرعين بأن شعورهم بالألم لا قيمة له أو أهمية لأن شعورهم بالألم يؤدي إلى إنقاذ حياة إنسان عزيز عليهم. مسؤولة المكتب الإقليمي لزراعة الأعضاء، ترفة العمراني، أخصائية التثقيف الصحي في مستشفى الملك خالد أشارت إلى أن فكرة التبرع تحتاج إلى وعي من المجتمع وهو الأمر الذي نقوم عليه عادة من خلال عدة وسائل إعلامية وإرشادية أو المقابلة الشخصية مع أهالي المتوفين دماغيا. وأوضحت أن التبرع بزراعة الأعضاء يشهد إقبالا لابأس به مقارنة مع السنوات الماضية، ولكن قوائم الانتظار للمرضى الذين بحاجة للزراعة تحتاج إلى أعداد كبيرة أكبر من المتاح حاليا. تقول العمراني إن مقابلة الأهالي تحتاج إلى جهد عظيم وصبر ومثابرة في إقناعهم، لذلك تم تكوين اللجنة الخاصة بإقناع الأهالي، وعمل اللجنة يتلخص في إبلاغ الأهالي وشرح حالة الموت الدماغي، ومن ثم إقناعهم بالتبرع بالأعضاء مع استخدام الأسلوب الديني والاجتماعي والطبي ومن مهام اللجنة الاجتماع الشهري للنقاش حول المشاكل والمعوقات التي تواجه الملف. تعميم عاجل من الوزير وطبقا لتعميم صادر من المركز السعودي لزراعة الأعضاء موجه لعدد من المستشفيات في المملكة هناك نقص في عمليات الزراعة خصوصا لدى الأطفال الذين يعانون من القصور العضوي بسبب ندرة التبليغ عن حالات الوفيات الدماغية لدى الأطفال، وتشير الأخصائية ترفة العمراني إلى أن هناك تنسيقا دائما بين جميع المستشفيات في تبوك بضرورة التبليغ عن كافة الحالات المحتملة للوفيات الدماغية لدى الأطفال كي يتمكن المركز السعودي لزراعة الأعضاء من متابعتها حتى الوصول إلى التشخيص النهائي وفق البروتوكول المتبع. وكان للتعميم الهام الذي أصدره وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة في 17/12/1432 والموجه إلى عدد من المراكز والمستشفيات المتخصصة دور كبير في تقليص حجم قوائم الانتظار الطويل للمرضى، وفيه أشار الوزير لأهمية دعم البرنامج الوطني للتبرع بالأعضاء وزراعتها وذلك للزيادة الكبيرة لأعداد المرضى في قوائم الانتظار للزراعة، وأبان وزير الصحة في التعميم إلى ضرورة تعميد العاملين في جميع مستشفيات المملكة وخصوصا العاملين في أقسام المخ والأعصاب والإدارات ذات العلاقة بالتعاون مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء مع إيلاء إدارة كل مستشفى الاهتمام بالتبليغ المبكر عن حالات الوفاة الدماغية للمركز السعودي لزراعة الأعضاء واعتبار ذلك من صميم مهام أطباء العناية المركزة والأقسام المعنية الأخرى. الإحصائيات المتوفرة لدى المركز الوطني لعام 2011 التي تخص المناطق الشمالية تبين عدد حالات الوفيات الدماغية في مستشفيات المناطق وهي 17 حالة مبلغ عنها، تم التواصل مع أهالي 7 حالات فقط، وللأسف لم يقبل أحد من الأهالي الذين تمت مقابلتهم إجراءات التبرع والاستئصال، لذلك لم تجر أي عملية في ذلك العام، وعقب تلك الإحصائيات المخيبة للآمال تضاعفت الجهود من المستشفيات بالمناطق الشمالية بإقناع الأهالي ممن لديهم حالات متوفين دماغيا لينتج عنها إحصائيات لابأس بها في عام 2012 جاءت كالتالي: 8 حالات مبلغ عنها تم التواصل مع أهالي 6 حالات وتمت الموافقة على حالتين بالتبرع. معتقدات خاطئة الدكتور عطا الله العطوي جراح الكلى والمسالك في مستشفى الملك خالد أشار إلى عدد من المعتقدات الخاطئة حول التبرع مثل أن يقال يقال إن عمر المتبرع ليس مناسبا للتبرع بالأعضاء، والحقيقة تقول إن التبرع بالأعضاء يمكن أن يكون لجميع الأعمار حتى من حديثي الولادة إذا كانوا متوفين، وعند الوفاة الدماغية يحدد الأطباء المختصون ما إذا كانت الأعضاء صالحة للزراعة أم لا. أما بالنسبة للمتبرعين الأحياء فإن القدرة على التبرع تبدأ من سن ?? إلى ما فوق الخمسين، ومن المعتقدات الخاطئة أيضا أن قول بعض الناس أن أولوية توزيع الأعضاء تكون للأغنياء والمشاهير أو الأشخاص المهمين، والحقيقة تقول إن توزيع الأعضاء يكون حسب بيانات المرضى القابلين للزراعة، وهي تأتي حسب فصيلة الدم وكتلة الجسم والضرورة الطبية. عودة الميت دماغيا يضيف الدكتور العطوي أن بعض الأهالي يعتقدون أن المريض قد يعود من حالة الوفاة الدماغية للحياة مرة أخرى. وهذا أمر خاطئ كون التعريف السريري والشرعي للموت هو الوفاة الدماغية. ولا توجد حالة تمت تشخيصها على أنها وفاة دماغية وعادت للحياة. أيضا من المعتقدات التي ذكرت في بعض المراجع والبحوث أن الأشخاص الذين ينوون التبرع يعتقدون أنه في حال حدث لهم حادث مروري وعلم المسؤولون في المستشفى بأنهم من الذين يرغبون في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة عندها قد لا يبذل الأطباء جهدا لإنقاذ حياتهم وهذا المعتقد خاطئ جملة وتفصيلا.. لأن استئصال الأعضاء لا يتم إلا بعد استنفاذ كل الوسائل الممكنة لإنقاذ حياة الشخص.