لم تعد هموم مكافحة الفساد والتجاوزات هاجس المسؤولين في الأجهزة المعنية ونخب المجتمع فحسب بل وصل الحال إلى أن يكون حديث المغردين ومواقع الشبكة العنكبوتية وعامة الناس خصوصا بعد انتشار وسائل التقنية الحديثة ومواقع اللقاء الافتراضي. في «هاشتاق» عنوان مثير للجدل حمل «التشهير بالمفسدين ضرورة» كتب عدد من المغردين حول ما أسموه التشهير بالمفسدين وفضحهم على الملأ حتى يرتدعوا ويكونوا عبرة للمعتبرين، ففي تغريدة للمهندس خالد العلكمي كتب بهدوء وعقلانية.. قضية (التشهير) من أكثر القضايا حساسية وجدلية في مجتمعنا.. ولكن هي المفتاح الذي لن تحل قضايا الفساد بدونه..! ميما الهلالية دعت إلى التشهير بالمفسدين وردعهم حتى يعرفهم الناس ويتوخون الحذر منهم فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فيما كتب أحمد مدني: لابد أن يعي الجميع أن المحاكمة والمحاسبة والتشهير بالمفسدين ضرورة. تعتبر التغريدات نماذج مبسطة عما ورد في ذلك الوسم الساخن الذي أنشأه مغردون مؤخرا، وهو ما يعبر عن سخط عام على المتجاوزين لكن بعض التغريدات الجارحة تطال أبرياء لم تثبت إدانتهم بعد. يتساءل الكاتب سطام المقرن عن الاستفسارات الشائعة التي تطرح بكثرة على رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، «لماذا لا يتم التشهير بالمفسدين؟» وتأتي الإجابة «التشهير لا ينفذ إلا بوجود حكم قضائي يفصل في القضية، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته»، ومع ذلك ما زال البعض يتساءل: «ماذا عن قضايا الفساد التي صدر فيها حكم قضائي بالإدانة فلماذا لا يتم التشهير بأسماء المفسدين؟». الخزي والعار المقرن أضاف أن عقوبة التشهير تعد من أكثر القضايا حساسية وجدلا في المجتمع، فكثير من الناس يرى أن «الخزي والعار» هما العاملان الرئيسان في ردع المحتال والمفسد عن ارتكاب جريمته، وبالتالي فإن عدم تفعيل العقوبة يعطي فرصة للفاسد لارتكاب جريمته دون أن يعاني من النتائج، مدركا أن سمعته لن تتأثر وعلى النقيض عندما يكتشف الناس والمجتمع أمره فإن هذا سيكون رادعا قويا في حد ذاته. ويشرح المقرن أنه في المقابل فإن البعض يرى التشهير من العقوبات الشديدة والصارمة، قد تفوق في شدتها العقوبات الأخرى مثل السجن أو الفصل من الوظيفة، وبالرغم من صرامتها فإنها لا تمنع وقوع الجرائم، فعقوبة الإعدام مثلا لم تمنع جرائم القتل العمد، وعقوبة السجن المؤبد لم تمنع الإتجار بالأعضاء البشرية، وبالتالي فإن عقوبة التشهير أيضا لن تمنع جرائم الاختلاس والتزوير والرشوة. عقوبة عامة سطام المقرن استطرد قائلا العقوبات بشكل عام لها آثار نفسية واجتماعية على مستحقها، وتزداد حدتها في عقوبة التشهير خصوصا في المجتمعات المحافظة والدينية التي لا تطال سمعة الفرد المسيء أو المخطئ فحسب، بل تلحق بجميع أفراد أسرته ومعارفه وأصدقائه، وبالتالي قد تؤدي مثل هذه العقوبات إلى حدوث صدمات نفسية ومشاكل أسرية واجتماعية لا يدركها الكثير من الناس، لذا نجد أن القضاة يترددون في تطبيق مثل هذه العقوبة ويميلون إلى تطبيق عقوبة أخرى أخف صرامة، وربما الحكم بالبراءة تفاديا لهذه العقوبة لأن ضررها قد يكون أكثر من نفعها. شهوات ورغبات رغم أن الكاتب المقرن أوضح بعض الآثار السلبية لعقوبة التشهير إلا أنه يؤكد عدم قصده إنكار أهمية هذا النوع من العقوبات أو الدعوة إلى عدم تطبيقها، وقال: من طبيعة الإنسان بوجه عام أنه يندفع نحو شهواته ورغباته ما لم يجد رادعا يردعه عن ذلك، وعندما تغيب سلطة القانون سرعان ما تنتشر الفوضى في المجتمع، وفي هذا الصدد يقول أحد المختصين في علم الإجرام ما نصه: «إن معاقبة المجرم ظلم له ولكن في عدم معاقبته ظلم للمجتمع»، وبالتالي فإن معاقبة المجرم والمسيء أمر واجب ولا بد منه من أجل الناس، والفهم العام هو توضيح الآثار السلبية لعقوبة التشهير حتى لا يساء تطبيقها أو توظف بطريقة خاطئة. وأضاف أن البعض ينظر إلى عقوبة التشهير كنوع من الإهانة للفرد المخطئ ويرى ضرورة إلحاق الأذى المعنوي والمادي بالمفسد، وذلك كنوع من الانتقام النفسي أو بعبارة أخرى نوع من (التشفي) بالغير، وهناك أيضا من لا يفرق بين المحاكمة القضائية وإيقاع العقوبة نفسها، ناهيك عن عدم التفريق بين العقوبات والتدرج في تطبيقها على حسب الجرم المرتكب، وعليه هناك من يطالب بتطبيق عقوبة التشهير لأية قضية فساد تطرح على الرأي العام مهما كانت طبيعتها وظروفها، وبالتالي إعطاء حكم موحد وقاطع لكل تصرف مهما كانت دوافعه بغض النظر عن تباين الظروف والمقاصد. إشكالات إدارية المقرن لفت إلى بعض الإشكاليات الإدارية التي تعاني منها بعض الجهات الحكومية، موضحا أن بعضها يتعلق بسوء الإدارة وضعف أنظمة الرقابة الداخلية وعدم وضوح وتكافؤ السلطات مع المسؤوليات، كل هذه العوامل كفيلة بأن تؤدي إلى وجود ظلم على الموظفين المتهمين في قضايا الفساد المالي والإداري، بل كفيلة أيضا بأن تعطي صك البراءة للمسؤول الحقيقي عن مثل هذه القضايا، وتطيح بموظف صغير لا ناقة له ولا جمل، لقد جرت العادة في العديد من الجهات الحكومية أن تركز الإجراءات الرقابية والعقوبات على الموظف بدلا من الرقابة على العمل وتكاد تكون هذه الممارسة ثقافة إدارية سائدة. عقوبتان في آن واحد لتوضيح الصورة يطرح المقرن المثال التالي: لنفترض أنه تم كشف عجز مالي يقدر بملايين الريالات لدى أمين الصندوق في إحدى الجهات الحكومية، فتكون التهمة لمثل هذه القضية هي الاختلاس المالي، ومهما أنكر الموظف هذه التهمة فإنها تثبت عليه، وقد يصدر بحقه حكم قضائي صارم بالسجن والتشهير معا، فهنا تم تطبيق عقوبتين على المتهم، ولكن فيما بعد تم اكتشاف أن سبب العجز هو وجود إهمال من قبل الإدارة المالية في التقييد الدفتري لمبالغ الصندوق، وهو السبب الذي أظهر الفرق مع الرصيد الفعلي، وليتخيل معي القارئ الكريم وقع وآثار مثل هذه القضية على المتهم نفسه وعلى أسرته. وخلص إلى القول: ينبغي التأكيد على أن الهدف من العقوبات هو الحد من الفساد ومحاربته والحد من السلوكيات الخاطئة والمنحرفة، وبالتالي فإن العقوبة تكون موجهة إلى التصرف الخطأ لا للفرد نفسه، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الخلل الموجود في الجهة الحكومية حتى يمكن معالجته وعدم تكرار المخالفات والأخطاء في المستقبل، فكثير من قضايا الفساد التي تم اكتشافها للأسف لم يتم الالتفات إلى مسبباتها وكيفية معالجتها وقياس آثارها الاقتصادية والاجتماعية. إساءة الأدب المحامي والكاتب الصحافي الدكتور أنور بخرجي ذكر أن الجهات المختصة أقرت بوجود تجاوزات وعلى ذلك تم إنشاء هيئة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.. التجاوزات موجودة ولا يمكن إنكارها فواقع الفساد حقيقة لا يمكن إنكارها بأي شكل، هناك من يقول إنه محدود، وأقول لهؤلاء الأهم هو التفكير في كيفية علاجه ومحاربته، وأنصع مثال لذلك فواجع السيول وتداعياتها. ويعزو بخرجي ظهور بعض التجاوزات إلى الأمان من العقوبة، مستشهدا بالمثل الشهير (من أمن العقوبة أساء الأدب)، مطالبا بجعل جلسات محاكم الفساد علانية حتى يعرف الجميع تفاصيلها ووقائعها. ولفت بخرجي النظر إلى قضايا معينة تم التشهير بأصحابها مثل التستر والشيكات المرتجعة التي شهرت وزارة التجارة بأصحابها، لافتا إلى أن التشهير بالقضايا التي تهم الوطن أهم وأبلغ حاجة في التشهير بالمتسببين. وأضاف «وصلنا إلى مرحلة يجب أن نسمي فيها المسميات بأسمائها الحقيقية، فالفساد لم يعد فسادا ماليا فحسب وإنما فساد في الأرض حيث يتسبب المفسد في إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات، ويجب أن يحاكم المفسدون في ميادين عامة، كما يجب أن نسأل كل من يطالب بعدم التشهير: ما المصلحة من وراء هذه المطالبات؟». التشهير بحكمة المحامي أحمد بن خالد السديري يؤيد التشهير بالفاسد ليكون عبرة لغيره فإذا ظلت معاقبته سرية، فلا يمكن لأحد أن يعرفه، لكن التشهير مؤلم أكثر من العقوبة نفسها وتظل جريمته نقطة سوداء في جبينه، لكن الأمر يخضع للظروف ولايطبق على كل أحد، بحيث لا يشمل أصحاب الأخطاء والتجاوزات البسيطة. رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية في جدة المحامي ياسين خياط قال إن التشهير يطبق بسند سند قانوني، فإذا صدر من ضمن العقوبات المتضمنة للنظام الخاص فإن قانونية التشهير صحيحة لأنه صدر وفق النظام، فالتشهير يكون بموجب نص لأنه لاعقوبة بدون نص. وأضاف أحيانا يستخدم القاضي عقوبة مغلظة وهذه نادرة، فإذا رأى القاضي أن الجرم كبير والجناية عظيمة فيشمل الحكم التشهير بصاحب الجريمة من خلال الصحف المحلية أو الإعلان كنوع من أنواع الردع. وأكد خياط أهمية التشهير وفائدته، لأنه يمس الجانب المعنوي المؤثر أكثر من الجانب المادي خصوصا أن البعض لا يكترث بالعقوبات المادية لأنه من السهل تعويضها خصوصا إذا كان صاحب الجناية يمارس أنشطة تحتاج إلى سمعة كالتجارة وغيرها، لكن يجب استخدام التشهير بحكمة. أما رئيس اللجنة الوطنية للمحامين الدكتور إبراهيم الغصن فأكد على ضرورة صدور حكم بالتشهير، لافتا إلى أنه «ليس من حق كل من هب ودب أن يشهر بالآخرين».