سيول جدة والفساد الذي أحاط بها، فظائع بعض المستشفيات وضحاياها .. تجاوزات التجار ومغالاتهم على المستهلك وغيرها من الملفات كثفت الدعوات إلى التشهير بالمخالفين والفاسدين والمفسدين ونشر أسمائهم وصفاتهم وأفعالهم في وسائل الإعلام حتي يكونوا عبرة لأنفسهم ولغيرهم .. لكن القانون يضع ضوابط للتشهير ويدعو إلى التفرقة بينه والتحذير ويؤكد أن عقوبة التشهير لا تنفذ إلا بأمر قضائي. ثمة أسئلة حول ضوابط التشهير، والفرق بينه وبين التحذير. من يحق له إيقاع التشهير؟ لماذا يشهر بتاجر دون آخر، أو مستشفى بعينه دون غيره، أو فرد أيا كان؟ ما هي آلية التشهير وطرقه وتبعاته، وما حق المتضرر ممن تعرض للتشهير في مقاضاة الجهة التي شهرت به؟ المحامي والمستشار القانوني المعروف والمدون المختص في الشأن الحقوقي والقضائي خالد السريحي، يرى أن التشهير هو الإعلان عن جريمة المحكوم عليه كعقوبة له، ولا علاقة له بالتشهير الناجم عن تنفيذ العقوبة علنا أمام جمع من الناس؛ فالأصل في الشريعة الاسلامية أن تنفذ العقوبات علنا، لذا فإن التشهير يختلف عن التنفيذ العلني إذ إن التشهير عقوبة تعزيرية في التشريع الجنائي الإسلامي منذ نشأته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رجلا من الأزد ليجمع الصدقات فلما قدم إلى المدينة، قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي. فخطب النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «أما بعد، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدهم فيقول هذا لكم، وهذه هدية أهديت لي، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته» ومن هنا شرع الفقهاء التشهير في كل جريمة تمس سمعة مرتكبها أو أمانته، حتى يكشف للناس أمره فيتعاملوا معه على بصيرة. فأصبحت عقوبة التشهير هي إحدى العقوبات التعزيرية التي يملك القاضي إيقاعها على من ارتكب المخالفة أو الجرم. المناداة في الأسواق عقوبة التشهير، كما يقول السريحي، تصاحب عادة الجرائم التي يعتمد فيها المجرم على ثقة الناس كشهادة الزور والغش؛ علما أن القوانين الجنائية المقارنة تقرر في بعض الحالات نشر الأحكام الصادرة على الجناة، كما في حالات الإفلاس بالتدليس وبالتقصير وغيرها، وأخذ القانون المصري بها في بعض الجرائم كالغش والبيع بأكثر من السعر الجبري. وكان التشهير يحدث قديما بالمناداة على المجرم بذنبه في الأسواق والمحلات العامة حيث لم تكن هناك وسيلة أخرى، أما الآن فالتشهير يتم بإعلان الحكم في الصحف أو لصقه في المحلات العامة أو نشره عبر الانترنت. ويضيف السريحي إن نفقات عقوبة التشهير يتحملها المحكوم عليه وفقا لما تقرره الأنظمة، ويمكن أن يفرض كعقوبة تبعية تلحق العقوبة الأصلية حكما، كما يمكن أن يفرض كعقوبة تكميلية ينص عليها بالحكم القاضي بالعقوبة الأصلية أو في قرار آخر مستقل حسب جسامة الجريمة، فمثلا اعتبر المنظم السعودي التشهير عقوبة تبعية في الجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة، وفي العودة إلى ارتكاب أي من الأخطاء الطبية المهنية أو مزاولة المهنة دون ترخيص أو أثر صدور قرار نهائي بإلغاء الترخيص بمزاولة المهنة؛ بينما في جرائم أخرى اعتبرها تكميلية كما في الجرائم المنصوص عليها في نظام الأوراق التجارية، ويحق للمتضرر الذي تم التشهير به اللجوء للقضاء إما بطلب التعويض المادي أو بطلب تعزير من قام بالتشهير به دون سند قانوني. العقاب بالاعتذار طبقا للمحامي السريحي، فإن جهة الاختصاص تختلف من حالة لأخرى، فإن كان من قام بالتشهير هي جهة إدارة فينعقد الاختصاص لديوان المظالم بهيئة قضاء إداري للنظر في طلب التعويض نتيجة الأضرار بسمعة المتضرر المعنوية والتجارية في حالة كونه تاجرا، ويحق للمتضرر طلب ذلك سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، كما يمكنه الرجوع على الصحيفة التي نشرت خبر التشهير به. وأوضح أنه إن كان من قام بالتشهير شخص طبيعي أو معنوي لا جهة إدارة، هناك حالتان، الأولى التشهير عبر وسيلة إعلامية ففي هذه الحالة جهة الاختصاص تنعقد إلى لجنة النظر في المخالفات الصحفية في وزارة الإعلام فيما يخص العقوبة، يقول المحامي السريحي، فقد نصت المادة (38) من النظام «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام النظام بواحدة أو أكثر من العقوبات التالية: 1 غرامة لا تزيد على (500) خمسمائة ألف ريال، وتضاعف الغرامة إذا تكررت المخالفة. 2 إيقاف المخالف عن الكتابة في جميع الصحف والمطبوعات، أو عن المشاركة الإعلامية من خلال القنوات القضائية، أو عنهما معا. 3 إغلاق أو حجب محل المخالفة مؤقتا أو نهائيا، فإن كان محل المخالفة صحيفة فيكون تنفيذ قرار الإغلاق بموافقة رئيس مجلس الوزراء، وإن كان محلها صحيفة الكترونية أو موقعا ونحو ذلك فيكون تنفيذ قرار الإغلاق أو الحجب من صلاحية الوزير. 4 نشر اعتذار من المخالف في المطبوعة -إذا كانت مخالفته نشر معلومات مغلوطة أو اتهامات تجاه المذكورين في الفقرة (3) من المادة (التاسعة) من هذا النظام- وفق الصيغة التي تراها اللجنة وعلى نفقته الخاصة وفي نفس المكان الذي نشرت فيه المخالفة. يمضي السريحي في شرح عقوبة التشهير، ويقول إنه إذا كانت المخالفة تمثل إساءة إلى الدين الإسلامي، أو المساس بمصالح الدولة العليا أو بعقوبات يختص بنظرها القضاء، فعلى اللجنة إحالتها، بقرار مسبّب، إلى الوزير لرفعها إلى الملك للنظر في اتخاذ الإجراءات النظامية لإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة، أو اتخاذ ما يراه محققا للمصلحة العامة. ويحق للمحكوم عليه من اللجنة الابتدائية الاعتراض أمام اللجنة الاستئنافية. و إذا كان التشهير تم عبر وسيلة الكترونية فأنه يعد خرقا لما جاء في اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني ويعاقب المخالف بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين. من حق الوزير المحامي والمستشار القانوني علاء محمد الغامدي، يحدد الفروقات بين التشهير والتحذير، إذ إن للجهات المعنية حق التحذير من وجود مخالفات من غير أن يتم الإشارة للجهة المخالفة مثل التحذير من وجود أدوية خطيرة أو تحذير من وجود بضاعة منتهية الصلاحية لمنتج ما. أما التشهير فهي عقوبة نظامية قد يكون منصوص عليها في النظام، و قد يكون من صلاحيات الوزير أن يصدر قرارا بالعقوبة ومن ضمن بنوده هو إلزام الجهة المخالفة بنشر قرار العقوبة في الصحف المحلية على نفقة المخالف. وينعقد الاختصاص للمحاكم الإدارية، فيحق للجهة التي صدر ضدها القرار الإداري بالعقوبة بأن تتظلم من القرار (مع تحفظي حول صلاحية الجهة الإدارية بإلزام الجهة المخالفة بنشر قرار العقوبة في الصحف والأفضل ترك ذلك للجهة القضائية التي تتحقق قضائيا بصفة حيادية لتثبت المخالفة من عدمها). تكميلية وتبعية يرى الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز والمستشار القانوني في هيئة حقوق الإنسان أن التشهير، بحسب طبيعته القانونية، يمثل عقوبة وغالبا ما تكون تكميلية أو تبعية، والعقوبات لا يمكن ايقاعها إلا بحكم قضائي نهائي بموجب نص أو إذا ما رأى حاكم القضية أن العقوبة بالتشهير لخلق جانب وقائي رادع لدى الغير، على أنه يجوز للسلطة التنفيذية أن تصدر قرارا إداريا بالتشهير إذا ما كان النظام قد خولها هذا الحق في حالات محددة مثل قيام وزارة التجارة التشهير ببعض التجار المخالفين على أن تتحمل الوزارة تبعات قرارها أمام القضاء الإداري إذا ما ثبت إساءة استعمال الحق. وتجد عقوبة التشهير أساسها في خلق الجانب الوقائي والردع أمام الغير تطبيقا لشرع الله تعالى، كما يحدث في حالات الحدود والقصاص والجلد. وأضاف الخولي أن العقوبة التشهير تختلف عن الغرامات، فهذه الأخيرة يتم تنفيذها دون أن يعلم أحد في حين أن التشهير يصل صداه إلى فئة كبيرة قد يترك أثرا يحول دون قيام بفعل مماثل لما أقدم عليه المشهر به. رفض مبدئي يرفض المحامي والمستشار القانوني خالد أبو راشد التشهير بأي فرد كان إلا بحكم شرعي مكتسب القطعية؛ يتضمن منطوق الحكم التشهير كجزء من العقوبة، مبينا أنه حتى لو صدر حكم قضائي على فاسد أو متجاوز أو مخالف لم يتضمن التشهير به فإنه لا يجوز لأحد التشهير به حتى إن ثبتت الإدانة، وأكد على ضرورة التشهير كجزء من العقوبة لتنفيذه، مشترطا أن تصدر من الجهة القضائية. وقال أبو راشد يحق لاي شخص أو جهة تم التشهير به دون صدور حكم أن يقاضي الجهة التي شهرت به سواء أكانت وسيلة إعلام أو غيرها. فيما يرى المحامي والمستشار القانوني بدر بن فرحان الروقي عضو اتحاد المحامين العرب أن المملكة وضعت العديد من الأنظمة والقواعد لحماية المواطن وبأكثر من طريقة منها التشهير والتحذير لتكون رادعا من من يحاول فعلها، إذ إن القاعدة المشهورة التي تنص على «لا يكون التشهير لا بحكم قضائي» اختصه في الافراد لأن الضرر يقع عليه، وعائلته وقد أجاز الجهة المختصة القاعدة في بعض المهن مثل تجار الحديد فقد تم التشهير ببعض المؤسسات والشركات المحتكرة وصدر بحقهم التشهير من غير حكم قضائي وقد اختصت بعض الجهات الحكومية مثل هيئة مكافحة الفساد ووزارة التجارة وهيئة الدواء بالتشهير والتحذير. ويجب أن نحدد نوع التشهير حيث إن بعض الإعلانات لا تعتبر تشهيرا مثل التحذير من دواء معين من حيث سوء الجودة أو غيرها. وسيلة ترهيب المحامي والقانوني بندر العمودي يعرف التشهير لغة ويقول إنها عقوبة شرعية قديمة أقرها الدين الإسلامي ووضع لها شرطا أساسيا لتطبيقها ألا وهو ثبوت الإدانة وإقرار الجرم على الشخص المدان ليعتبر. والتشهير في اللغة: من الإشهار، وهو: الإيضاح والظهور، ضد: الإسرار والإخفاء. وقد يستخدم في الخير؛ مثل: إشهار الزواج، وتكريم الفائزين والمبدعين، و لكن غلب على استعماله في الشر، وهو في الاصطلاح: إشاعة السوء عن إنسانٍ، وفضحه بين الناس. وحول أسباب التشهير قال: يشهر بالشخص لعدة أسباب؛ منها: ما يعود لذات الشخص وينحصر أثره على الشخص فقط ومنها ما يعود لفعله ومنها ما يعود لغيره فتم إقرار التشهير كعقوبة على هذا الأساس لكي يكون رادعا للشخص وللغير وجرس إنذار وناقوسا يدق في أذهان الجميع ليكون دائما وأبدا من وسائل الترهيب. وحول مشروعية التشهير قال إنها تستهدف التحذير من التعامل البريء مع المشهر به في مال أو عمل أو عرض، اتخاذ الاحتياط اللازم في معاملاته بما يضمن السلامة منه، ردع الآخرين وزجرهم عن مثل عمله، ضمان انكساره وانحسار شره مدة معقولة من الزمن، وإظهار المساواة والعدل في التعامل مع المنحرفين من بين فئات المجتمع. الحابل والنابل وعن ضماناته، قال المحامي العمودي إن التشهير عقوبة مؤلمة ويتعدى أثرها إلى أسرة المشهَّر به وأقاربه وأرحامه وأهل بلده، لذلك كان لا بد من وضع الشروط اللازمة لضبط توقيع العقوبة المتعدية حيث اختلط الحابل بالنابل، لأن التشهير في الأساس عقوبة لا تقر ولا تطبق إلا بعد ثبوت الجرم على فاعلها، وبالتالي فلا يحق لأية جهة أو شخص كان أن يشهر بالغير إلا بعد ثبوت الإدانة بموجب حكم شرعي نهائي استنفد كافة طرق الطعن وأصبح في قوة الامر المقضي به. ولكن ما يحدث الآن أن التشهير يتم بأي شخص أو جهة دون توجيه أي اتهام رسمي أو دون الانتظار لصدور حكم قضائي بات وهذا قصور في تطبيق النظام.