أعلنت وزارة الداخلية في الثاني من شهر فبراير أن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أصبح محل تطبيق بعد موافقة مجلس الوزراء عليه . في هذا التحقيق، نناقش المادة الثالثة من النظام الصادر ( والمكون أصلا من ست عشرة مادة)، والتي تنص على معاقبة من يلجأ إلى التنصت والتشهير والابتزاز باستخدام التقنية والتي تؤدي إلى تشويه السمعة والمساس بالحياة الخاصة للأفراد والأسر داخل المجتمع. حيث باتت مشكلة التشهير والابتزاز باستخدام الجوال ومواقع الانترنت من أكثر الجرائم المعلوماتية التي تقلق المجتمع، وتثير الجدل داخله. قامت الرياض بانتقاء عينات من الجمهور وسؤالهم عن رأيهم بقرار معاقبة مرتكبي جرائم التشهير عبر التقنيات، وكيف يمكن أن يؤثر في المجتمع في حال تطبيقه بالشكل الكامل. ترى الدكتورة موضي الخلف بأن عقوبة التشهير على النت ستحد من التعرض لأعراض الناس. كما أن تطبيق قانون العقوبة يجب اشهاره بشكل كبير لكي يستوعب الناس بأن الجهات المسؤولة جادة في ايقاف مثل هذه الممارسات، وترى الدكتورة موضي أن على الاعلام أن ينشر معلومات عن الذين تطبق عليهم عقوبة التشهير على النت ليتراجع كل من يفكر بالقيام بمثل هذه الجرائم المعلوماتية. وتضيف الخلف بأن المجتمع يضع العرض والشرف في المقدمة، ولا يحق لأي شخص أن يسيء استغلال ذلك من خلال استخدام الشرف كأداة ضغط وتهديد. اليوتيوب وفضائح من السعودية: الاستاذة هيلة الخلف، وهي باحثة سعودية وتحضر شهادة الدكتوراه، كانت تتناقش مع مجموعة من زميلاتها قبل فترة عن لقطات الفيديو التي يوفرها موقع اليوتيوب، فهذا الموقع يحوي ملايين اللقطات العالمية ولكن عندما يتعلق الموضوع باللقطات الخاصة بالمملكة، نجد أن أغلبيتها لقطات فضائح، وتتساءل عن سبب التركيز دائما على نشر لقطات فضائحية عندما نتحدث عن السعودية! ترى الاستاذة هيلة أن قرار معاقبة المشهرين عبر الانترنت والتقنيات هو خطوة بالاتجاه الصحيح، وتبقى آلية التنفيذ هي الأهم في مثل هذه القضايا . وترى أن تعقب جرائم الانترنت هي قضية "هلامية"، نظرا لصعوبة الوصول إلى مصادر الأشخاص الذين ينشرون صوراً ولقطات فيديو وفضائح على النت. وربما تكون جرائم البلوتوث أسهل في التعقب من جرائم التشهير عبر الشبكة. فبالامكان معرفة مصدر الأشخاص الذين ينشرون لقطات البلوتوث في حال تبليغ الأشخاص المتضررين عنها. تضيف هيلة أن تفعيل مثل هذه الأنظمة ستجعل الكثير من المسيئين لاستخدام التقنية يترددون قبل الاقدام على مثل هذه الأعمال، ولا يعني بالضرورة أنهم سيتوقفون تماما . واخيرا، ترى أن المجتمع يزداد تعاطفا مع ضحايا التشهير عبر التقنيات، نظرا لزيادة الوعي . ولكن الناس ما يزالون لديهم الفضول لمعرفة تفاصيل مثل هذه القضايا التي ماتزال تصدمهم كلما ظهرت - على حد قولها. من ناحية أخرى، فقد تحدث عدد من الجمهور عن رأيهم في قرار معاقبة المشهرين عبر التقنية ومجرمي الشبكة، يقول عبد الله القحطاني، وهو موظف حكومي ( قرار وزارة الداخلية كان لا بد منه لأن بعض الناس أساء استغلال البلوتوث بالذات، واستخدمها كتقنية للتشهير، كذلك هناك مواقع تدعي الاسلام، وهي في حقيقة الامر تدعو للارهاب من خلال التشهير، وتغرر بأولادنا ولكن العقوبات الصارمة سوف تكون رادعة للذين لا يخافون الله ). فضائح البلوتوث: أما ناصر الهاجري، وهو طالب جامعي، فيقول ( عندما قرأت قرار العقوبة في الجريدة شعرت بالسعادة لأن هذا القرار سوف يحد من انتشارحوادث البلوتوث، ولا ننسى فتاة الباندا، وحادثة النهضة المؤلمة . فربما بتنفيذ العقوبات هذه لن نشاهد مناظر بشعة تتاجر بأعراض الناس). من جهة اخرى، تحدثت هند العتيبي، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، قائلة ( شاهدنا الكثيرمن صورالفتيات اللاتي يتم تصويرهن في اوضاع مخلة وهناك فتيات يتم تصويرهن دون علمهن في حفلات الاعراس وبالتالي يتم ابتزازهن وهذا تصرف رخيص، يدل على الخسة والنذالة وليست ابدا من صفات المسلم، لأن الاسلام حرم التعرض لأعراض الناس والتنصت والابتزاز، واتمنى ان يكون للقرار صدى ايجابي في حالة تطبيقة) . تتحدث الاستاذة مها الجعيد، موظفة في قطاع خاص، قائلة (نحن نعرف أن من أمن العقوبة أساء الأدب، فالكثير من الأشخاص استهانوا بالاعراض، والكثيرون يحبون التنصت وانشاء المواقع التي لا تمت لديننا بأي صلة، وعموما ارجو تطبيق القرار بأسرع وقت لعلنا نتخلص من تلك المشاكل مع مرور الوقت ) . رأي القانون: وحول هذا الموضوع التقينا بالمحامي الأستاذ عدنان عبد العزيزالخراشي والذي اخبرنا قائلا: (مما لاشك فيه أن أي نظام عقوبات لأي ظاهرة سلبية في المجتمع يمثل اجراء ممتازا، ولكن برأيي الشخصي كان يجب ان يكون هناك تقييد، بمعنى ان يكون التهديد والابتزاز جانب مع توضيح المعاني والعقوبات بدقة اكثر، ويترك سلطة تقديرية واضحة للقاضي في تقدير العقوبة كحد أدنى وأعلى. ويضيف: ( أما التنصت فكان يجب مبدئيا أن يوضح جواز التنصت من عدمه وفي حالة تجاوز النظام بالتنصت دون موافقة جهات الاختصاص تحدد العقوبة حسب نوعية المتنصت عليه والفائدة أوالضرر منه، أما التشهير بالآخرين فهو صفة سيئة جدا في كل المجتمعات حتى ولو قرنت بالأدلة لأن التشهير غالبا مرتبط بالمصلحة الشخصية وردعه بأقصى العقوبات ضروري ومؤيد من كافة أفراد المجتمع) أما بخصوص انشاء المواقع الارهابية، يقول الخراشي (أرى أن يقوم المشروع بتوضيح تعريفي لمعنى المواقع الارهابية حتى لا يقع كثيرمن شبابنا ضحية لأفكار قد تكون بعيدة كل البعد عن ديننا وعاداتنا واخلاقنا ومبادئنا وعندها يكون الردع الصارم ضرورة قصوى). ويختم حواره قا ئلا (بلا شك هذا القرار سيحد كثيرا من تلك الجرائم اذا تمت الادانة بحكم القاضي وتم التنفيذ فعلا وان كنت أرى أن يتم تعريف دقيق لكل مخالفة على حدة، أي معنى التهديد والابتزاز والتنصت والتشهير بالآخرين وانشاء الموا قع الارهابية). رأي اجتماعي: التقنيا أيضا الدكتور عبدالله اليوسف، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الامام، لنسأله عن نظرة علم الاجتماع عن التشهير والابتزاز على الانترنت وقرار ايقاع العقوبة بمن يلجأ إلى مثل هذه الجرائم المعلوماتية . تحدث الدكتور عبد الله عن التشهير الذي يفسره بأنه اختراق لخصوصية الأفراد وجرح للهوية والكرامة الإنسانية للشخص المشهر به، كما أن التشهير جريمة متعدية بمعنى أن حدود التشهير لا تقع على الشخص المشهر به فحسب بل تنتشر أبعاد التشهيرإلى أسرة المشهر به وأقاربه. يقول الدكتور اليوسف : (لا شك أن الشخص المشهربه في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي يواجه الكثير من المعضلات مابين نظرات التساؤل حول حقيقة الموضوع ونظرات الشك، ويصبح الشخص المشهر به أسير قفص الاتهام لجرم ربما لم يرتكبه، ويصبح التشهير وصم يلاحقه فترة طويلة لايستطيع الفكاك منها. أما واقع التشهير في الوقت الحاضر فربما يكون أخف من ناحية الوصم وشعور الفرد المشهر به بالوصم ولكنه في جانب اخر يمثل معضلة للمشهر به في حجم انتشار المعلومة، فلم تعد المعلومة حبيسة حيز زماني أو مكاني محدد، وانما أصبح هناك إمكانية لانتشار المعلومات بشكل أكبر) . ويضيف ( في الوقت الحاضرالشعور التشهيري أصبح أخف ولكنه في نفس الوقت زاد من حجم ومساحة انتشار المعلومة والشخص المشهربه. ومما لاشك فيه أن من يتعرض للتشهير في الانترنت أو غيرها من وسائل الاتصالات الحديثة يعيش ضغوطاً نفسية وأسرية حادة من خلال النظرات المتسائلة عن مدى صحة الموضوع ويصبح الشخص المشهر به في موقع الاتهام على جريمة ربما لم يرتكبها، كما يصبح مادة للحديث في المجالس وتلاحقه التساؤلات والاستفسارات ويصبح في موقف المتهم الذي يجب أن يقدم أدلة البراءة على سلوك ربما لم يرتكبه). ويشبه الدكتور عبد الله تأثيرات التشهير بقفص الاتهام، فيقول (تأثيرات التشهير على الفرد من قبل الأسرة والأقارب تمثل قفص اتهام لايستطيع الشخص المشهربه الخروج منها إلا بعد مضي فترة من الزمن يكون تحمل فيها الكثير من الالام النفسية والاجتماعية ويشعر بالغربة والوصم الاجتماعي . ولاشك أن أشد أنواع الوصم يكون من المحيطين بالشخص المشهر به . حيث يتحول وصم التشهير إلى خناجر تحرق خاصرة المشهر به من اقرب الناس له حيث يتراكم الألم من الاتهام الموجة له من قبل الشخص الذي قام بالتشهير فيه إلى الألم القادم من نظرات الشك والريبة من الأقارب والأهل وهي أقسى عذاب على المشهر به من وقع التشهير ذاته . فهي تمثل ظلم ذوي القربى والذي يمثل أقصى أنواع الظلم.) ويرى الدكتور عبد الله أن التشهير عبر النت هو من الجرائم المستحدثة من حيث الشكل واليات التشهير . ويفسر ذلك قائلا (رغم أن التشهير موجود منذ القدم، الا أن نمط واتجاه وشكل التشهير هو المستحدث، فمع تطور وسائل التكنولوجيا برزت أنماط من التشهير لم تكن مألوفة في المجتمع السعودي ونحن نعتبرها من الجرائم المستحدثة لأن الشخص المشهر يستخدم معطيات التكنولوجيا للوصول إلى غاياته . ولمعرفة كيف يمكن لقرار ايقاع العقوبة على المشهرين في الحد من هذا النمط من الجرائم يجب أن نضع نصب أعيننا أن الجرائم المستحدثة دائما ماتتميز بأنها تتطور بسرعة فائقة مما يجعل التنظيمات أحيانا غير قادرة على مجاراة تطورها وهو مايحدث الإشكالية . الجرائم التكنولوجية واسعة جدا وقد يكون من الصعوبة شمولها بقوانين تحد من كل أنماطها ولذا سميت مستحدثة. وأخيرا، اعتقد أن القرار سوف يساعد في الحد من بعض أنماط هذه الجرائم ولكن كما نؤكد دائماً بأنه لايوجد مجتمع يخلو من السلوك الإجرامي وبالتالي لانتوقع القضاء الكامل على هذه الانماط ولكن ربما التقليل منها إلى حدود معقولة التي تمكن المجتمع من التعايش بشكل مريح ).