لو طلبنا سعودة جميع صوالين الحلاقة، فهل يستطيع أحد أن يذهب إلى دبي أو بيروت أو القاهرة ليقص شعره؟ بالطبع هذا سيكون مستحيلا تقريبا إلا لفئة ضئيلة جدا جدا من المستهلكين، أما السواد الأعظم من الناس فليس لهم خيار إلا الحلاق القريب منهم. وبالتالي فإن احتراف عمالة سعودية لمهنة الحلاقة لن يؤدي إلى هروب الزبائن أو إغلاق المحلات، وسوف تلتزم صوالين الحلاقة باستخدام عمالة سعودية أو أن تغلق. بالطبع قد يكون هناك أثر على السعر، فتكلفة الحلاق السعودي ليست كتكلفة الحلاق الوافد، وهنا أمامنا خياران: فإما تقوم أماكن الحلاقة برفع أسعار خدماتها أمام زبائنها لتغطية الارتفاع في تكاليفها عند تعيين السعوديين، وبالتالي ترتفع الأسعار في السوق أو أن تتدخل الدولة بدفع الفرق في التكلفة، بحيث يظل السعر ثابتا للزبون.. وإن تم ذلك وظل السعر ثابتا فلا يوجد أي سبب يجعلنا نعتقد أن الطلب على الحلاقين سوف يقل بأي شكل، وعلى أساسه فالنتيجة الوحيدة هي إحلال عمالة سعودية مكان العمالة الأجنبية في جميع صوالين الحلاقة. ولو افترضنا أن هناك ما لا يقل عن 10 آلاف صالون حلاقة في جميع مدن هذا الوطن، وأن كل مكان يعين ما لا يقل عن اثنين إلى ثلاثة عاملين، فهذا يعني بصفة فورية توفر 20 ألفا إلى 30 ألف وظيفة للعمالة السعودية، ويتم تحقيق السعودية بدون أي أثر يذكر إلا دفع الحكومة لفرق تكاليف العمالة والذي بأي حال لا أتوقع أن يكون أكثر من دفع إعانات للعاطلين عن العمل. ولكن لو فرضنا نفس النظام على ورش صياغة الذهب وطلبنا منهم الالتزام بسعودة جميع الوظائف، فالذي قد يحدث أن هذه الورش قد تنتقل إلى دولة أخرى بحيث تستطيع أن تقوم بنفس العمل وتقدم نفس الإنتاج، وبنفس عمالتها السابقة وبدون أي تغيير في ميزانيتها وهيكلها أو توظيف لسعوديين؛ فصناعة صياغة الذهب ممكن أن تنتج من أي مكان وترسل إنتاجها إلى أي مكان آخر في العالم وبدون أي جمارك تذكر، وبالتالي فإن المصنع في جدة أو الرياض ينافس المصنع الذي في دبي أو ميلانو، والمصنع ذو التكلفة الأقل هو الذي سوف يكسب المنافسة. وهكذا فإنه في حالة الصناعات التي قد تواجه منافسة خارجية قوية ولا تستطيع أن ترفع أسعارها بأي شكل ويمكن بالسهولة الاستعاضة عنها بواردات شبيهة أو مطابقة، فإن فرض العمالة السعودية لن يؤدي سوى إلى إغلاق مثل هذه الأنشطة أو تقلصها، وبالتالي فإننا ليس فقط لن ننجح في توظيف عمالة سعودية وإنما نخسر ما كان أساسا موظفا في هذه الأنشطة. وهناك وظائف لا يجب أن يكون للسعودة فيها أي دور حتى ولو لم تواجه منافسة عالمية، ومنها على سبيل المثال الأساتذة، نعم تعطى الأولوية للمواطن، ولكن عندما يكون هنا أي عالم أو أستاذ يرغب في القدوم إلى المملكة لتعليم أبنائنا فلا يجب أبدا رفضه أو استخدام أنظمة السعودة ضد تعيينه، وهذا امتثال لأمر ولحكمة قديمة في طلب العلم حتى لو كان في الصين. فالعالم يعلم أجيال وعندما نصر على السعودة في وظائف التعلم حتى ولو لم تكن هناك الكفاءات المناسبة فإننا نضر بأجيال، أي مقابل تعيين معلم سعودي غير كفء قد نضحي بفصل يحتوي حوالى 40 شابا سعوديا قد يصبحون بدورهم أيضا غير مؤهلين لأنهم لم يتلقوا التعليم المناسب. بينما هناك أنشطة قد يكون من المناسب فرض سعودة كاملة عليها، كمثال طياري الخطوط الجوية العربية السعودية والذين يشهد لهم بالكفاءة والمهارة، وهذه وظائف ممكن أن يتم التدريب عليها في خلال فترة زمنية ليست طويلة، ولدينا المئات أو الآلاف من الشباب المؤهلين لشغلها، فلا يوجد أي مبرر لاستخدام طيارين أجانب ليعملوا على طائرات الخطوط الجوية العربية السعودية. في الخلاصة، السعودة لا يجب أن تكون نظاما عاما ونسبة واحدة ثابتة تفرض على جميع الأنشطة، وإنما يتم تطبيقها على ما هو مناسب وملائم، وآنذاك يجب فرضها دون استثناء. ومحاولة فرض نسبة واحدة من السعودة على جميع الأنشطة هي كمن يحاول إجراء عملية قلب مفتوح باستخدام مطرقة ومنشار، بينما هذه عملية معقدة لا تنجح إلا باستخدام أدق الأدوات المخصصة والمناسبة لها. * عضو مجلس الشورى أستاذ الاقتصاد المشارك (سابقا) e-mail: [email protected]