افترض أن لديك شركة أو مصنعا أو مزرعة يعمل فيها ألف شخص منهم خمسمائة عامل سعودي بمعنى أن نسبة السعودة فيها هي 50%، الآن لنقل إن هذه النسبة لم تكن مناسبة وتم اتخاذ قرار بالسعودة لكافة الوظائف، ولكن لسبب أو لآخر أدى توظيف السعوديين إلى زيادة تكاليف هذه المنشأة ولم تستطع أن تتنافس مع غيرها في السوق كما كانت، وبالتالي انخفض إنتاجها إلى أقل من النصف وأصبحت لا توظف سوى أربعمائة عامل بدلا من ألف، ولكنهم كلهم سعوديون أو بنسبة سعودة 100%. هذه القصة من نسج الخيال والهدف منها فقط هو طرح السؤال حول ما إذا كانت الحالة الأولى أفضل، حيث كنا نوظف خمسمائة سعودي ولكن بنسبة سعودة 50% ، أم أن الحالة الثانية أفضل حيث وصلنا إلى نسبة سعودة كاملة ولكن وظفنا فقط أربعمائة سعودي أي أننا زدنا البطالة لدينا بمائة شخص. كما ذكرت بالرغم من أن المثال هو من نسج الخيال إلا أنه يهدف إلى توضيح أن السعودة ليست هدفا بحد ذاتها وإنما الهدف هو توظيف السعوديين فإن كانت السعودة هي السبيل لذلك فليكن، أما إن لم تكن هي السبيل بالعكس إن كانت السعودة هي عائق أمام خلق الوظائف وتؤدي إلى زيادة التكاليف وعدم قدرة المنشآت السعودية على التنافس والنمو، وبالتالي التوظيف، فإن السعودة تصبح عبئا وعائقا أمام الشباب السعوديين وأمام الاقتصاد السعودي ككل، وعلينا نبذها بل محاربتها. يجب أن يكون هدفنا هو توظيف الشباب والشابات أو كل مواطن يرغب في العمل، فهذا في رأيي حق للمواطن بأن يجد العمل إن رغب في ذلك، وهذا هو الهدف الذي يجب أن نسخر له الطاقات والوسائل، وإن كانت السعودة مفيدة في بعض الحالات فليتم تطبيقها ولكن إن كانت غير مفيدة في حالات أخرى فلا يتم تطبيقها فهي ليست قوانين مقدسة وغاية مستهدفة بحد ذاتها، والذي يطالب بالسعودة بأي ثمن ولو أدى ذلك إلى إغلاق المصانع وخروج الشركات هو كمن كان يطالب بزراعة القمح بأي ثمن حتى ولو نضب الماء، وهكذا خسرنا الماء الذي هو أساس زراعة القمح فخسرنا بالتالي القمح، وفي خلال ذلك خسرنا وخسر اقتصادنا مئات المليارات من الريالات، وكذلك لو ركزنا على السعودة حتى لو كانت على حساب الإنتاج فإننا قد نخسر الإنتاج الذي هو أساس التوظيف أو السعودة وبالتالي نخسر الوظائف ونخسر توظيف السعوديين وخلال ذلك نخسر مليارات أخرى ونخسر الوقت الذي نحتاجه للحاق بالعالم المتقدم. بل إن هناك وظائف لا يجب أن تكون لها علاقة بالسعودة أساسا ومنها الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارات ولا تنمي المهارات أو الوظائف ذات الرواتب المتدنية كالنظافة أو خلافه، فلا يليق باقتصاد غني مثل الاقتصاد السعودي والحمد لله أن يتحدث عن إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية في كل أنواع الوظائف. نحن علينا التركيز على الوظائف التي تحتاج إلى مهارات والتي تنمي مثل هذه المهارات، وبالتالي تؤهل وتساعد المواطنين على تطوير أنفسهم والارتقاء إلى وظائف أفضل، كما علينا أن نساعد الشركات والمؤسسات والمنشآت السعودية على النمو وتطوير ذاتها، وذلك لكي من ناحية ينمو الاقتصاد الوطني ككل، ومن ناحية أخرى يأتي التوظيف مع التوسع هذا، وأينما كانت أنظمة السعودة عائقا لذلك ولا تفيد بل قد تضر فعلينا نبذها أو حتى محاربتها مثلها مثل أي عائق آخر، فالسعودة هي وسيلة أو أداة، وليست أنظمة مقدسة أو غاية في حد ذاتها، وحينما لا يكون لها مفعول إيجابي فعلينا تركها واستخدام غيرها من الوسائل والأدوات لتحقيق أهدافنا وهي توظيف السعوديين في وظائف مناسبة ومفيدة ولها مستقبل بإذن الله. أملي أن لا نكرر هنا مأساة (القمح) حيث إنه بعدما اتضح جليا الخطأ المنطقي والخلل الجذري في دعم القمح على حساب الماء وهو يقوم أصلا على الماء تخلينا عن هذه السياسة ولكن بعد خسائر باهظة من الجهد والمال والموارد والوقت، بل ربما أصبح لدينا ردة فعل قوية ضد زراعة القمح بأي شكل وأي وسيلة حتى ولو كان في مناطق مؤهلة له.. آمل أن لا نكرر ذلك في قضية (السعودة) فأساس التوظيف للسعوديين أو لغيرهم هو الإنتاج ولا يمكن منطقيا أن تكون السعودة على حساب الإنتاج فالتضحية بالإنتاج يعني تلقائيا التضحية بالتوظيف للسعوديين أو لغيرهم. * عضو مجلس الشورى عضو هيئة التدريس، قسم الاقتصاد جامعة الملك عبد العزيز (سابقا). Wahnm@hotmail. com