«الوصاية»؛ تتأمل الكلمة طويلا، تزداد حمولتك كلما كدر خاطرك معنى أكثر ألما وقيدا. أذكر خوفي من هذه الكلمة قد تضخم من مراميها ومعانيها، في السنة الأخيرة من الدراسة الجامعية، أيام الوحدة اليمنية، حين كنت أستمع وأردد بحماسة مع زملائي اليمنيين نشيد: (رددي أيتها الدنيا نشيدي)، ثم رحت أتأمل البيت الأخير: (لن ترى الدنيا على أرضي وصيا). من السهل أن تقول: الوصية من الوصاية، إشارة إلى عهد الاستعمار، بيد أنها لا ترحمك إن تأملتها أعاذك الله من شرها إنها سلب للحرية تماما، وبمفهومها الإنساني. وأنت في قبولك إياها، ترضى بإلغاء العقل، ترضى أنك في اليتم لم تبلغ السن القانونية بعد، ترضى الردة إلى القبلية بشكلها الجاهلي، ترضى بالسوق ولا أرتضيه لك، كأن جبران أصاب في قوله: «فأفضل الناس قطعان يسير بها/ صوت الرعاة ومن لم يمش يندثر». وهنا، ليس من عجب أن يتفق بعض الأفرقاء في (فكرة الوصي)، فالمصلحة تعري الغايات، تلغي الفوارق بين يمين ويسار. آبائية تسلطية ترضي مجموعات عديدة؛ ذات توجهات متطرفة، وأخرى معتدلة، وقليل من اليسار. (المجتمع ما زال طفلا)، لم ولن يفطم. من يحرس الأخلاق إذن؟! من يضع الغمام بين الإنسان والسماء، من يرفعه؟ يا لزعمهم.. (كلمة) ليست حكرا على صعيد دون سواه: (رقيب، حسيب، أديب... سوف نعود لهم في مقالة أخرى) القائمة تطول قليلا، بدءا بمدرس يمنح نفسه صلاحيات بفرض أفكاره الطفولية على أولادنا، وليس انتهاء بوصاية الإعلام والكتاب الأوصياء. وليست مقالتنا هنا لتضيف جديدا لهؤلاء الذين إلى جانبنا في رؤيتهم لحرية العقل وطغيان الوصاية، كما أنها قول لن يغير أولئك، دعاة الوصاية الأخلاقية والدينية والاجتماعية وإلى آخره، والمنتفعين منها، إلا أن الشهادة ضرورية للتأكيد على وجود فئة أخرى بلغت رشدها وأشدها، تطوق عتقا من قيد الآبائية، والأخوية الوصائية. (الوصاية) سلطة تداركتها وتجاوزتها فكرة الدولة الحديثة والتشريعيات والمواطنة وحرية التعليم والثقافة والرأي العام، فكرة تتعارض مع وظائف الدولة والمؤسسات الحكومية بما لها من صلاحيات في سن القوانين والتشريعيات وتنفيذها، والتعامل مع الإنسان على كونه واعي (مقدس بما حباه الله من عقل واستقلالية في المعتقد والحساب) مدرك بحقوقه وواجباته، وليس من منطلق الوصاية، فإنها تضني الكيان وتثقل كاهله، وتحط من عزيمة شبابه، وليس تنهض أمة تحت وصاية. ** في متن المقالة، وليس على هامشها: أيها اليمن العزيز، يا دمي في الأساطير، إني أخاف عليك ولا أخاف، وها أنذا أردد معك نشيدك: (لن ترى الدنيا على أرضي وصيا). كان نهار الوحدة عظيما نتذكره اليوم، نستحضره شاهدا وحصنا منيعا، فلقد تعودنا، نحن أهل هذه الديار على حب اليمن، وله في قلبنا وريده اليمين. [email protected]