لن تضيف جديدا إلى واقع الشارع المأزوم. الشارع يتحرك من تلقاء نفسه، والغليان هو من بين أعراض الأزمة، ولكن إلى الآن لا توجد فوضى عارمة وعدم أمان باستثناء النموذج الليبي الذي فاق في ردود فعله كل التوقعات. استسلم النموذج المصري للواقع الذي يجري فوق الأرض، وتعامل النموذج التونسي مع الواقع بحكمة، لأنه بحسب وقائع فيما بعد المشهد التونسي يتبين أنه ذكي بما فيه الكفاية. لقد انحنى للعاصفة لأنه فهم وعرف أنه لم يكن لديه وقت لإصلاح «مالطا»، وهكذا بهدوء استدار ولم يكن لديه وقت يكفي للاعتذار. ذات يوم ربما في غضون أشهر سوف يبرد الغليان، وعندئذ سوف يكتشف المؤرخون الجدد أن ما حدث منذ يناير لا يندرج تحت بند الفوضوية، بل كان في عمقه ينتمي إلى بيولوجيا التغيير. بلغة أخرى يوجد مخاض وفي كل مخاض هناك مواجع وأحزان. إنها عملية «طلق» يأتي في أثرها نشوء جديد. وباللغة الدارجة لقد حبلت «الذاكرة العربية» في بعض الدول العربية بلقاحات الفساد الإداري وترهل البنى التحتية والرشاوى والمحسوبيات، فلعل الله يخرج منها ثمرة طيبة ينتفع بها الناس، وهكذا يمكننا أن نفهم على نحو آخر كما قال تعالى «لا ينال عهدي الظالمين».. لكن الملاحظ أن الشارع العربي نفسه نقل عدوى الاعتصامات إلى بعض الحكومات العربية، وهكذا صارت هذه الحكومات ترشق المتظاهرين بالاعتصامات، وهذا في حد ذاته يحسب للحكومات والشعوب أيضا، لأنه بكل المقاييس أرقى من السطو والاعتقال الجماعي وتبخير الشارع علنا برائحة الرصاص. ومن هنا فإن بعض الحكومات أصبحت تخرج من خلال مؤيديها في مظاهرات «مدنية» مضادة ردا على إحراج الشعوب لها بتجييش مدني سابق عليه. قلت لنفسي حسنا إذن: إنهم لأول مرة يمارسون الطهر السياسي بقناعة، فلنحمد الله أن الوعي العربي يتجاوز النموذج الراوندي ممثلا في الهولوكست الأفريقي. لقد أعدم الهوتي والتوتسي بعضهم بعضا، فحاق بهما العذاب غير بعيد إلى درجة تقيحت فيها مياه الأنهار. [email protected] فاكس: 065431417 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة