«الإتصالات السريع»، «ألعاب الكومبيوتر»، «... للمواد البناء والسباكة»، «مركز ... للشكمانات ورديترات».. لوحات إعلانية لمراكز مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، وعبارات وأسماء أجنبية في لافتات تغزو الشوارع والمحال التجارية، إذ تشوّه «لغة الضاد» والقرآن الكريم. ورغم أن هذه الأخطاء ظاهرة للعيان، وتطفو على سوق الإعلان في المملكة، إلا أن أيا من وزارة الإعلام ممثلة في العلاقات العامة في جدة، والمركز الإعلامي في أمانة المحافظة، لم يجيبا «عكاظ» على سؤالها عن مدى مسؤوليتهما عن انتشار الظاهرة، ولا كيفية مواجهتها، حيث رفضا التعليق حول هذا الموضوع الذي يمس الأمة في أهم مكوناتها وهويتها، بل أسباب وجودها، وذلك عندما توجهت«عكاظ» إليهما بالسؤال عن دورهما في مراقبة ومتابعة محال الخطاطين المختصة بتجهيز لوحات المعارض والمحال التجارية. ورغم امتناع هاتين الجهتين عن التعليق، وإجماع المراقبين على أن من أهم أسباب انتشار الظاهرة، يعود إلى بعض الخطاطين والرسامين من العمالة الوافدة، الذين ليست لهم سابق معرفة باللغة العربية، ولا بآدابها وأصولها، يظل السؤال مطروحا عمن تقع مسؤولية هذه الأخطاء، وآلية مواجهتها. مسؤولية البلديات عبد العزيز العمودي من سكان حي الصفا في جدة، يرى أن مواجهة الظاهرة من مسؤولية البلديات، حيث يتوجب عليها عدم منح التصاريح لأي محال أو شركات جديدة، إلا بعد إلزامها بكتابة لافتاتها بلغة عربية مبينة، وبالنسبة للمحال القائمة، يمكن تطبيق ذلك عند تجديد الرخصة، بحيث لا يسمح لأصحاب هذه المحال بتجديد رخص محالهم، إلا بعد تغيير عناوين اللافتات بالشكل الذي يحافظ على الهويّة ويقضي على ظاهرة التغريب، وتصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية. قواعد اللغة ويرجع المواطن سلطان مغربل أسباب انتشار الظاهرة إلى جنسيات آسيوية تكتب هذه اللافتات، وهي لا تعرف شيئا عن قواعد اللغة العربية، وإنما تنقش اللافتة دون أن تعرف مضمونها. أما بندر الحسن «معلم» يقول: رغم حرص الجهات المختصة على متابعة اللوحات التي توضع على واجهة المحال التجارية، والتأكد من صحتها قبل السماح لأصحاب المنشأة بتعليقها، إلا أن وجود الكم الهائل من الأخطاء اللغوية، خاصة عند الكتابة باللغة العربية يشير إلى أن الأمر لا يحظى باهتمام واسع من الأفراد القائمين على متابعتها، فالأخطاء التي تتضمنها اللوحات ناتجة عن عدم دراية الخطاط بلغتنا العربية، وهي لا تحتاج إلى مدقق أو متخصص في النحو ليكتشفها. انتشار الظاهرة ويعلق عماد الدين هارون قائلا: عدم متابعة الجهات المختصة لما ترتكبه الأيدي الوافدة من أخطاء في الكتابات والرسومات على اللوحات الإعلانية والتجارية، ساهم في انتشار الظاهرة، فالمتابعة والرقابة أمران مهمان، وإضافة إلى الأخطاء، جاءت ظاهرة اللغة الأجنبية، ما ينذر بتراجع «العربية» في بلادها أمام اللغات الأجنبية التي أصبحت غريبة، مشيرا إلى أن مهنة الخطاط أو الرسام من المهن التي تحتاج إلى صبر ومهارة وبراعة ودقة وحس فني، ولكن الملاحظ أن محال خطاطي ورسامي اللوحات الإعلانية والتجارية والنقش على الزجاج والرخام، تديرها أيد وافدة دون رقيب. سعودة الحرفة ويدور في خلد مازن النعامي عدد من الأسئلة عن تلك اللوحات قائلا: المتجول في الطرقات والأسواق والمتمعن في بعض اللوحات في المحال التجارية والإعلانات المعلقة في الفصول والجدران يتساءل: ما أسباب الأخطاء اللغوية، وما جنسيات هؤلاء الخطاطين؟ هل هم وافدون أجانب؟ أم وافدون عرب؟ وكيف دخل هذا الوافد الأجنبي في هذه المهنة؟ وهل يجيد اللغة، أم أنه يرسم ويكتب حسب الإيصالات الواردة لعمل كتابة على لوحة ما !، والسؤال المحير: أين السعودة من هذه المهنة؟ ولماذا لا يتم سعودة هذه المهنة بالأيدي الوطنية؟ فالذي يحدث في الوقت الحالي هو أن بعض الخطاطين أصبحوا (يغربلون) لغتنا العربية على اللوحات الإعلانية والتجارية، في ظل غياب مهنة الرسام والخطاط بالنسبة للأيدي الوطنية العاملة، حتى لوحات المدارس لم تسلم من تلك الأخطاء الشائعة. تأثيرها على الجيل ويؤكد المواطن عدنان علي ناصر أن بعض العبارات تثير الضحك، مشيرا إلى أن بعض محال الرسامين والخطاطين توجد على لوحاتها أخطاء شائعة، ومن جانب آخر فإن العديد من العبارات والأسماء أصبحت دخيلة على مجتمعنا، ولو حاولنا معرفة معانيها فيحتاج ذلك إلى قاموس، والغريب في الأمر أن تغريب لغتنا العربية لم يقتصر على اللوحات الإعلانية والتجارية، وإنما تعدى ذلك إلى المنشورات الإعلانية وبطاقات التعارف، حيث يتم تدوين بعض اللغات الأجنبية باللغة العربية مثل (الأوردية والإنجليزية وغيرها)، ما يشكل خطورة انهزام لغتنا العربية في بلادها أمام اللغات الأجنبية، ويؤثر على مستقبل الأطفال والشباب وهم يقرؤونها كل يوم في الشوارع. الاسم والمعنى ويضيف عبد الرحمن الحازمي «معلم لغة عربية في جدة» أن المملكة معروفة بالتزامها الديني، ومحفاظتها على التراث العربي والإسلامي، ولذلك ينبغي أن جميع اللافتات واللوحات، تعطي انطباعا بأننا البلد التي يسير في شوارعها عربية إسلامية، تحترم لغتها الأم وتتباهى بها، فلافتات المحال في الشوارع التجارية فيها العجب، ومعظم تلك المحال لا تعطي أي معنى لما بداخلها، وبعضها يحمل أسماء قد لا يعرف الكثير من مرتاديها معناها. العمالة الوافدة على الجانب الآخر يدافع عدد من الخطاطين الوافدين عن التهم المنسوبة إليهم. عبد الحميد خان «باكستاني» يقول: أعشق كتابة اللوحات والخط منذ الصغر، ولكن في بدايتي لم أدرسه باللغة العربية، ولكن حين وجدت فرصة عمل في المملكة، كانت بدايتي هي صنع اللوحات فقط، وكان هناك خطاط آخر من جنسية عربية هو من يتولى خط اللوحات، فيما أتولى تجهيزها وتركيبها، وبعد فترة تعلمت منه الخط العربي حتى أصبحت أنا من يكتب اللوحات. وعن مدى المنافسة بينهم وبين الشباب السعودي يقول: لا أنكر أننا لا نجد أي تنافس أو مضايقة كباقي المهن الأخرى، فعدد الخطاطين السعوديين قليل وهناك من يعشقون الخط، ولكنهم لا يفكرون في افتتاح محال خاصة بهم. أما الخطاط محمد إسحاق «باكستاني» فيشير إلى أن مهنة الخط، من المهن المهمة والتي تدر أموالا على العاملين فيها، ولكن لابد من دراستها حسب الأصول، فأنا أعمل منذ أكثر من 15 عاما في كتابة اللوحات وتركيبها، وليس شرطا أن يكون هناك تصريح من البلدية، فالتصريح لا يستخرج إلا بعد تركيب اللوحات!. اعتراف محمد يونس 62 عاما «باكستاني»، يعمل كخطاط في جدة، منذ أن كان في العاشرة من العمر، يقول: لا أنكر أن هناك خطاطين يجيدون الخط ولكنهم لا يجيدون اللغة العربية، ولهذا تقع الكثير من الأخطاء، إضافة إلى أن بعض الزبائن لا يهتمون بوجود خطأ في لوحات محالهم التجارية، أما أنا فأحاول مراجعة اللوحة، وإذا اكتشفت خطأ لغويا أو اكتشفه الزبون، أعيد كتابتها من جديد حتى لو ترتب على ذلك بعض الخسائر المادية. اعتماد اللغة العربية من جهته أكد مصدر في أمانة جدة أن وزارة الشؤون البلدية والقروية في المملكة أصدرت تعميما تطالب فيه كافة الأمانات والبلديات والمجمعات القروية، بإلزام كافة المحال التجارية والشركات والمؤسسات بإعتماد كتابة الاسم باللغة العربية في لافتاتها ولوحاتها بشكل واضح. وشدد التعميم على أهمية تطبيق توجيه الأمير خالد الفيصل بتعريب كافة أسماء المحال التجارية، والقاعات، والشوارع، واستبعاد كافة الأسماء الأجنبية من منطقة مكةالمكرمة، كقرار حاسم لاقى استحسان المثقفين والأدباء والغيورين على اللغة العربية، ومراقبة ومتابعة ذلك بشكل دوري ومستمر مع الحرص على تطبيق أنظمة الغرامات والجزاءات على المحال التي لا تلتزم بذلك.