فجأة ودون سابق إنذار توقفت الأمانات عن استقبال طلبات الحصول على منح الأراضي، فيما لم يستفد الكثير من المواطنين من الأراضي التي حصلوا عليها في وقت سابق لافتقارها للخدمات من ماء وكهرباء وهاتف وطرق معبدة وصرف صحي. وفي حين يتعدى البعض على الأراضي البيضاء، ينتظر البعض الآخر نتائج الأوامر السامية المتعلقة بربط برامج المنح ببرامج الإسكان. في المنطقة الشرقية، ومنذ أكثر من 30 عاما مدرج على قوائم الانتظار أكثر من 180 ألف مواطن ومواطنة، فيما ينتظر آخرون استكمال إيصال الخدمات لضاحية الملك فهد التي مضى على توزيع أراضيها أكثر من 20 عاما. وفي الطائف، مضى على آخر تقديم لمنح ذوي الدخل المحدود 17 عاما، فيما يعقد الأهالي آمالهم على المجلس البلدي في مناقشة مسؤولي الأمانة عن تأخر المنح، والبحث عن مخططات جديدة داخل المحافظة لتوزيعها كمنح عليهم، خاصة بعد أن أسندت وزارة الشؤون البلدية والقروية للمجلس مهمة الحصول على بعض الأراضي غير المستغلة التابعة لجهات حكومية، وتحويلها لمنح لتوزيعها على المسجلين في قوائم الانتظار. في تبوك بلغت قوائم الانتظار أكثر من 15 ألفا، وعدد من تم منحهم خلال الأشهر الماضية 2000 شخص، فيما يطالب البعض بضرورة التوسيع في النطاق العمراني والاستفادة من المساحات الخالية وتحويلها لمخططات. أين الخدمات؟ في سياق هذه القضية، قال إبراهيم عبدالله القرني من جدة: إنه في عام 1413ه، منح قطعة أرض في منطقة سبت العلاية، لكنه لم يستفد منها لعدم وجود الخدمات فيها، وقد حاول بيعها لكن سعرها لم يتجاوز 10 آلاف ريال. ويشاطره فهيد المطيري من جدة نفس الرأي حيث يقول: منذ 15 عاما وأنا أنتظر حصولي على منحة لكن إلى الآن لم أحصل عليها.! ويرى إبراهيم جمال من جدة، أهمية أن تتوفر الخدمات في الأراضي قبل منحها حتى يتمكن المواطن من الاستفادة منها، بدلا من تركها واستمرار مشكلته في عدم حصوله على مسكن يبعده عن شبح الإيجار وزيادة الأعباء عليه. منحة مطلَّقة ما زال محمد البلوي من تبوك ينتظر أن يتحقق هذا الحلم رغم مضي أكثر من 15عاما على تسليم أوراقه للأمانة. فيما طالب خلف العنزي الاستفادة من مساحات الأراضي البيضاء وتخصيصها لمخططات توزع على المواطنين، الذين هم على قوائم الانتظار في قسم الأراضي دون أن يتحقق حلمهم في الحصول على قطعة أرض. خارج المدينة وبعد انتظار طويل تفاجأ عبدالله الزهراني من الطائف، أن المنحة التي حصل عليها هي خارج شمال الطائف بحوالى 30 كم، وفي منطقة صحراوية. فيما قال كل من محسن المالكي، سعيد المالكي، حسن الغامدي: إنهم ما زالوا ينتظرون إعلان أسمائهم في المنح. وللوقوف على الأسباب الرئيسة في هذه القضية، أكد مصدر مسؤول في أمانة المنطقة الشرقية، أن الأمانة بدأت في تطبيق عدة برامج لتمكين المتقدمين السابقين على منح الأراضي من الحصول عليها، من خلال تحويلهم إلى مدن أخرى غير الدماموالخبر والظهران والقطيف. مضيفا، أن إيجاد أراض للمنح في المنطقة الشرقية، أمر يحتاج إلى تواصل مع جهات حكومية توجد لديها أراض للتنازل عنها لتوزع كمنح للمواطنين، مؤكدا أن الأمانة تبذل جهودا كبيرة في هذا الشأن، مشيرا أن الأمانة خصصت خلال الفترة الماضية أراضي تملكها في كل من الخبروالدمام والظهران، لصالح الهيئة العامة للإسكان، لبناء وحدات سكنية عليها. تأخر تسليم المنح في الطائف ومن الطائف أرجع مصدر في أمانة الطائف أسباب تأخر تسليم المنح للمواطنين، بقوله: إن التقديم على منح ذوي الدخل المحدود عام 1413 ه، لم يكن منظما، حيث كانت ملفات المتقدمين تحفظ بشكل عشوائي، وبعض هذه الملفات ناقصة المعلومات أو أصبحت مفقودة، وهذا ما جعل الأمانة تضع ضوابط، وذلك بعد أن تكشف لها تلاعب عدد من المواطنين في أوراق التقديم خاصة عند التقديم على منح الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفا أن البحث عن مخططات جديدة والتقديم عليها كمنح لذوي الدخل المحدود، هو مدرج ضمن خطط الأمانة التي تسعى لتحقيقها خلال الفترة المقبلة. فيما أوضحت مصادر في المجلس البلدي في الطائف، أنها منذ عامين رفعت خطابا إلى سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، تطلب فيه تحويل أرض تبلغ مساحتها نحو 15 مليون متر مربع تم الاستغناء عنها من قبل إحدى الجهات الحكومية، طالبوا في خطابهم تحويلها إلى منح للمواطنين. تعديات الأراضي فيما أرجع المصدر أسباب تأخر المنح، إلى مشكلة التعديات على الأراضي التي تعد أحد أهم الأسباب في تأخر المنح، حيث قال: يوجد العديد من الأراضي التي خططتها الأمانة لتكون منحا ولكن تم التعدي عليها، مثل ما حدث في الرميدة وريحة والرحاب حتى أصبح أمر إزالتها صعبا. الشعور بالعدوانية ومن منظور نفسي، تؤكد الأخصائية النفسية ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدة، الدكتورة منى الصواف، أن المنزل احتياج إنساني أزلي يشعر الشخص بالاستقرار، ويمكنه من بناء أسرة، وأن عدم الحصول على مسكن يؤدي إلى شعوره بعدم الاستقرار، وانعدام الطموح في تكوين الأسرة، وتأخر سن الزواج. فينتج نوع من الغضب المكبوت بسبب عدم التساوي مع الآخرين يؤدي إلى الإحساس بعدم الرغبة في التواصل الاجتماعي، مضيفة أن عدم وجود المسكن يحفز الشعور بالعدوانية تجاه الآخرين، بينما وجوده يزيل الاضطراب والقلق خاصة القلق من المستقبل. اجتهادات الأمانات واجتماعيا يفيد رئيس الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك فهد في جدة، طلال الناشري، أن المملكة تتمتع بمساحات شاسعة من الأراضي تكفي كل المواطنين، ولكن المشكلة تكمن في آلية التنظيم والتخطيط السليم للتوزيع، مشيرا أن عملية التقديم للحصول على منح ليست معلومة للجميع ولا يوجد لها مواعيد منظمة، بل تعتمد على اجتهادات كل أمانة على حدة. فيما أضافت الأخصائية الاجتماعية في تبوك، مها محيي الدين بخاري، قائلة: إن عدم حصول ذوي الدخل المحدود على منحة أو وحدة سكنية يؤثر سلبا عليهم وتزداد ضغوط الحياة عليهم. تبخُّر الأحلام ويرى عضو جمعية الاقتصاد السعودي، عصام خليفة، أنه رغم المساحات الشاسعة التي تمتاز بها المملكة، إلا أن إشكالية منح الأراضي تبقى شائكة ومعقدة وضبابية، حيث يشتكي كثير من المواطنين من تأخر المنح لسنوات طويلة، كما تسهم محدودية النطاق العمراني في الحد من حرية الأمانات في توزيع أراضي المنح داخل المخططات الصالحة للسكن، فيتم توزيع المنح خارج النطاق العمراني، فلا يستفاد منها لبعدها عن المدن وعدم توفر الخدمات اللازمة فيها، مما يجعلها أراضي بور غير صالحة للسكن وهو ما يبخر أحلام ذوي الدخل المحدود الذين انتظروها طويلا، بينما المستفيد الأكبر من أراضي المنح هم مكاتب العقار، الذين يصبحون فريسة سهلة لشريطية مكاتب العقار للاحتيال عليهم وشراء أراضيهم بأبخس الأثمان لبيعها بعد ذلك بأسعار مبالغ فيها. تدخل الوزارة ولحل هذه المشكلة وضمان تحقيق خطط التنمية التي تستهدفها الدولة في أحقية المواطن في امتلاك سكن يؤويه وأسرته، يرى خليفة أنه لابد من تدخل وزارة الشؤون البلدية للنظر في هذا الموضوع، والتعاقد مع مكاتب استشارية لتطوير برنامج منح الأراضي، بحيث يتم تمويل هذه المكاتب، وتفعيل دور صندوق التنمية العقاري في إعطاء القروض لأصحابها، بالإضافة إلى منح الفرصة للبنوك والمؤسسات المالية الضخمة للمساهمة في بناء وحدات سكنية للمواطنين بضمانات حكومية وبفوائد معقولة، مؤكدا على أهمية إنشاء لجنة عقارية تضم مختلف الجهات المختصة لتنظيم عملية البيع والشراء في أراضي المنح منعا للمضاربة على أسعارها، وتحكم شريطية العقار فيها. ويضيف رئيس اللجنة العقارية سابقا في جدة، عبد المحسن الرصيص، قائلا: إن الممنوح لا يستطيع الاستفادة من المنحة التي حصل عليها، لأنها غير مكتملة البنية التحتية، فضلا عن أن قطع الأراضي الممنوحة في المدن غالبا ما تكون في مناطق غير مأهولة فلا يجد صاحب المنحة بدا من بيعها، فتستفيد منها مكاتب العقار، والتي تجمدها إلى أن تحيا المنطقة. هوامير المنح وفي نفس السياق قال خبير العقار عارف أبو راس من جدة: إنه لابد للجهات المختصة والأمانات على وجه التحديد من دراسة أي مخطط ووضع ولو جزء بسيط من الخدمات لكي يقبل عليه المواطن، فبعض الممنوحين بإمكانه بيع أرضه قبل تطبيقها حتى من قبل الأمانة وبيعها برقمها فقط، نافيا وجود تجار في المنح أو «هوامير لها» إذ إن عملية البيع والشراء تتم بموافقة جميع الأطراف المعنية بالمنحة. ويوافقه الرأي خبير العقار سليم العتيبي من جدة قائلا: إنه لا يوجد في مهنتهم ما يطلق عليهم بهوامير المنح، فمهنتهم هي بيع وشراء العقار والأراضي حتى وإن كانت أرض منح، مضيفا أن على الأمانة أو الجهات المختصة المانحة للمخططات والأراضي تسليمها لشركات أهلية، بغرض تطويرها وإدخال الخدمات إليها، ومن ثم تمنح للمواطن بسعر رمزي. ويرى صاحب مكتب عقار في تبوك عبد الله الغامدي، أنه من الضروري قبل أن توزع الأمانة المخططات على المواطنين، عليها أن تسلمها لشركة تطوير عقاري لتأمين الخدمات للمخطط، حتى ولو اقتضى الأمر دفع مبالغ رمزية من قبل أصحاب الأراضي حتى يتمكنوا من البناء في أراضيهم مباشرة أو بيعها بثمن جيد. اعتراف عقاري ومن جانبه، قال سلمان البلوي صاحب شركة عقارية في تبوك: إن الكثير من المخططات التي وزعتها الأمانة على المواطنين تنتظر اكتمال الخدمات وأسعارها دون المستوى الحقيقي لقيمة الأرض نتيجة عدم توفر الخدمات فيها، بخلاف أن هذه الأراضي لا يشتريها سوى الشريطية. أسعار مرتفعة ويخالفه الرأي أحمد العلي أحد العاملين في قطاع العقار في المنطقة الشرقية، قائلا: إن أسعار الأراضي في المنطقة الشرقية مرتفعة. منح المواطنين ويؤكد عضو مجلس الشورى أستاذ العلوم السياسية الدكتور صدقة فاضل، أن الهاجس الأساس لمجلس الشورى، هو حل مشكلة المنح، موضحا أن هذا الهاجس يتبلور في حرص المجلس على محاربة الفقر والجهل والمرض، مضيفا أن مجلس الشورى ما زال يهتم بضرورة توفير السكن الصحي المناسب لكل مواطن، خاصة في ظل الإحصاءات التي تشير إلى أن حوالى 70 في المائة من المواطنين البالغين والمتزوجين لا يملكون سكنا خاصا بهم. ومعظمهم يعيش في دور مستأجرة، كما تشير تلك الإحصاءات، أن سعر الأرض السكنية في مدن المملكة المختلفة يعتبر من أعلى الأسعار في العالم، ولذلك يثير مجلس الشورى هذه القضايا دائما، خاصة أثناء مناقشة تقارير وزارة الشؤون البلدية والقروية، وغيرها من الجهات الحكومية ذات العلاقة بمحاربة الفقر، لافتا أن هناك نظما وقوانين تهدف إلى تنظيم استغلال الأراضي السكنية في المملكة ما زالت تدرس وسيرى بعضها النور قريبا.