ليست الصحافة لمن يمتهنها حرفة وإنما هي عشق تذوب نفس المحب فيها لدرجة الفناء. ولقد كان الصحافي العربي الكبير سعيد فريحة مؤسس دار الصياد ورئيس تحرير الأنوار وأبرز صحافيي لبنان في العصر الذهبي للصحافة اللبنانية. التقيت به في أكثر من مناسبة، الأولى كانت خلال المؤتمر الثاني للصحافيين العرب الذي عقد في الكويت وشرفت بعضوية اللجنة التي كان معي فيها. وفي القاهرة سعدت بالسهر معه على العشاء مع الفنان العربي الكبير الموسيقار محمد عبد الوهاب. وفي فندق البريستول في بيروت لقيته في أكثر من اجتماع مع كبار المسؤولين اللبنانيين، وكان في جميع هذه المناسبات مقدرا لمواقف المملكة معتزا برعاية ولاة أمرها للشؤون اللبنانية فخورا بدعمهم لدار الصياد. وقد تلقيت من كريمته الأستاذة إلهام سعيد فريحة مؤخرا مؤلفا رصدته بعنوان: «أيام على غيابه» تحدثت فيه عن جوانب من تاريخه، ومما جاء في مقدمة الكتاب بقلم الأستاذة إلهام: في البدء اعتراف: أنا سعيدة بوجود مكان ولو متواضع بين زحام المؤلفات لكتاب شق طريقه بقوة الإصرار، إنه كتابي الأول وربما الوحيد، لم يكن مقدرا له أن يكون كتابا، ولا هو ابن فكرة عن سابق تصور وتصميم، فلست «أديبة» بالمعنى المألوف ولو أنني ولدت وفي فمي قلم وسط الحبر والورق، وعشت على هدير المطابع، ولا وهم لدي في قدرتي على إضافة شيء إلى إرث الوالد سعيد فريحة الذي جعل من الحبر والورق فضاء للجمال والكلمة الحلوة وفن الحياة الإنسانية. هذا الكتاب حصيلة أفكار وحوارات ومواقف ومشاعر، نشرتها يوميا في «الأنوار» بتوقيع «نادرة السعيد» يوميات فرح تراكمت وارتفعت مداميكها من دون هندسة أو خرائط، فأصبحت صرحا مفتوحا على اهتمامات الناس. إلى أن تقول: بدأت جمع الأفكار والكلمات، اعتمدت الإيجاز، وما اخترته من تجارب أيامي، مجموع خواطر وآراء ونظرة إلى أمور الدنيا وتفاعل مع الناس والأحداث، إنها محطات يومية في وطني مع الآمال والآلام، الواقع والأحلام، وقد تكون جرأتي الوحيدة في رغبتي أن يبقى لدي أثر مكتوب لبعض ما مر في فكري، لذا لم أتردد في قرع باب الأدب وهو القريب وتوأم باب الصحافة التي أعشقها وأغوص في بحرها. فأنا منذ صغري أحببت «مهنة البحث عن المتاعب» وعايشت متاعب الصحافة ووهجها، ومع أن مسؤوليتي في «دار الصياد» إدارية أساسا، لم أكن يوما بعيدة من حقل التنقيب عن الأخبار، والركض وراء الكبيرة من قضايا وخفايا تحدث هزة ودويا في أجواء السياسة والرأي العام، ولا أنكر أنني كنت أهوى تلك الملاحقات وأمضي أياما في متابعتها، مع اهتمام خاص بالمدوي منها، وبالمستتر من الصفقات، وبالمخفي من الأسرار. صحيح أن هذا الهوى الصحافي جلب لي ارتياحا ورضى شخصيا، لكن الصحيح أيضا أنه خلق لي خصوما وأثار لي مشكلات وحرك مؤيدين وحشد صداقات، كان «العدو» يظهر وحينا لا يظهر لكن صداقته تبقى في سياق التجانس والتلاقي الروحي. .. وفي الختام تعريف: في هذا الكتاب شيء من كل شيء: من القلب والفكر والروح والوجدان، من الصدق مع الذات وحب الآخر واحترام الجميع.. فإذا لقي تجاوبا وشق طريقه إلى قلوب الناس وعقولهم، أكون قدمته هدية وهذا ما أحب، فسعيد فريحة نشأ مشردا محروما، وحاول طيلة حياته أن يعيد البسمة إلى الوجوه البائسة، عاش الألم والمرارة والقسوة والتشرد والحرمان، وسعى إلى أن ينعم الجميع بطفولة أكثر سعادة وأقل ألما ومرارة وقسوة وتشردا وحرمانا. ويوم رحل كان لا يزال يحتفظ ببراءة الطفولة، من دون أن يفارقه هاجس الحرمان، وهو ذا حلمي اليوم: أن أنجح في تحقيق بعض مما كان يسعى إليه. تحية للأستاذة إلهام سعيد فريحة على ما قدمت للمكتبة العربية وشكرا لها على إهدائها اللطيف. فاكس: 6671094 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 158 مسافة ثم الرسالة