الحمد لله ان أساتذة جيلنا في العمل الفني والإعلامي كثر، وعلى قدر مسؤولياتهم والمكانة التي وضعتهم فيها الجهات المسؤولة والمجتمع على حد سواء... والحمدلله أننا جيل التعامل الإعلامي والثقافة الفنية المحلية الذين شابت الذوائب منهم مبكرا. فمع اطلالاتنا على هذه المباهج مع نهضة الحياة الفنية والثقافة المجتمعية الحديثة في سبعينيات القرن الميلادي المنصرم تشربنا إبداعا أسس لأذواقنا وتعاملاتنا - وكم أعجبني الأمير بدر بن عبد المحسن وهو ينوه الى هذه الحالة في أمسيته الأخيرة في جامعة عفت في جدة وشكر الله عليها كثيرا– نعم من المهم جدا أن تعرف مدى الحظ الذي قسم لك، إذ أنك يومها تعيش حياة أقل ما يقال عنها إنها تفاعلية مع أساتذة تستفيد منهم كل يوم جديدا يضيف لك. تخيل وانت تبدأ خطواتك في عالم الاعلام الفني وأمامك سوق تتعامل مع العظام فيه مثل طلال مداح وعمر كدرس ومحمد عبده وفوزي محسون وثريا قابل وسعد إبراهيم والخفاجي والحجازي وياسين سمكري وسراج عمر ومحمد شفيق وسامي إحسان وجميل محمود وجلال أبو زيد وهاني فيروزي وهشام عرب وأحمد صالح هاشم وحمدان صدقة وعبد الرحمن المقرن ومحمد الشعلان، الذين كنا نستفيد منهم جديدا في كل يوم، وهذا الأخير صالح جلال الذي ملأ دنيانا فنا، فكتاباته الغنائية لامست شغاف قلوبنا وهي تنثال مع موسيقى فوزي محسون.. رحم الله أستاذنا جلال الذي كان شخصية على درجة كثيرة من الاختلاف، فهو الشاعر الجميل الذي اتحفنا ب «ياللي جمالك، أسمر سمير الروح، عتبي عليك ، حيارى، يا نايم الليل الطويل، روح أحمد الله وبس، ياللي أنت بكره مسافر» وغيرها، وهو المخرج الإذاعي الذي تخصص في البرامج الشعبية ذات العلاقة بالأرض والوجدان والتراث، كما أنه ذلك الذي ساهم في تشجيع كتاب الأغنية والفنانين الذين دخلوا لساحة الفن من خلال كونه أحد أهم أعضاء لجنة الإجازة في إذاعة جدة. كنت في كل سهرة أقضيها معه سواء كان فوزي معه أو حسن تمراز أو حامد عبد ربه أو خالد حريري أخرج بأيما فائدة وكان من المحفزين لي في دخول مجال الكتابة والنقد، ولي معه في هذا المنحى موقف ففي مساء ما... قبل نحو ربع قرن أو هي ثلاثين عاما، التقيت به يحمل والدته – رحمهما الله – في مستشفى الوطني القديم في حالة متابعة علاجها وعرضها على الأطباء، كنت يومها أحاول أن أكون اسما في العمل الصحافي كوني مخبرا صحافيا، وكنت تقريبا في زيارة أو مراجعة. سلمت عليه فاستوقفني رغم ما يعيشه من حال ليقول لي: علي تابعتك كثيرا، لكن صناعة شخصية لك ولاسمك لا تكون بمتابعاتك الاخبارية فقط، بل لابد أن يكون لك رأيك في الكتابة وتصوير الحالات والأحداث الفنية والمرتبطة بصناع الحدث والأسماء المشاركة والفاعلة في الحالة الثقافية للمجتمعات، ومنذ ذلك الوقت أحاول أن أكون ذلك الاسم المقنع في حياتنا الفنية، وأنا أتذكر أساتذتي وعلى وجه الخصوص صالح جلال وإبراهيم خفاجي الذي اشتاق لدروسه وتعليماته في سفر الفن والأغنية أطال الله في عمره. ومن الجميل الذي يذكر كتابة جلال والخفاجي لعمل وطني واحد لمحمد عبده من ألحان سامي إحسان لدرجة انصهرت فيها تجربتهما وصدقهما «رفرفي اعلام عز المملكة وأخفقي.. وتباهي شرفا وبالأماني عانقي». رحم الله صالح جلال الذي تصادف ذكرى وفاته الثامن من شهر جمادى الثاني المقبل لغياب امتد إلى 11 عاما. رحم الله أستاذنا صالح جلال أحد بناة جيل التأسيس في حياتنا الثقافية والإعلامية. فاصلة: اقتطاف من فم صالح جلال ووجدانه وموسيقى وصوت فوزي محسون وابتسام لطفي وعايدة بوخريص: «ياللي انت بكرة مسافر على ديار الحبيبة بلغ سلامي واشرح عن حالتي دي العجيبة وقلها يامسافر زي ما انت شايف وخابر وقلها يامسافر كيف اني غايب وحاضر لا تكون عليها شديد او ترضى ابعد بعيد».