فنان مرتبط بالأرض هو فوزي محسون.. له ولأعماله عبق يملأ الحيزين، يملأ المكان ويملأ الوجدان، له في الحنايا عند أبناء هذه الأرض مكانة لا يمحوها الزمان وتعاقب الأجيال القادمة إلى عالم الفن والموسيقى، كذلك لا تستطيع عوامل الزمان أن تغير من جوهر فنون فوزي شيئا مهما كانت عوامل التعرية، أو بفعل التقادم الذي لم يزدها إلا جمالا وروعة بل وأدخلها هذا التقادم في ملفات الإبداع التراثي والتأريخ.. هذا باختصار هو فوزي محسون الذي عشقنا فنه و«لا لنا في المقادير حيلة»، حضور فوزي وفن فوزي ينعش دوما الروح والذاكرة.. ذاكرة المكان.. الحجاز والنغمة الناعمة في الحجاز، تلك النغمة التي اشترك معه فيها صالح جلال وثريا قابل وعبدالرحمن حجازي وحسن تمراز وتوحة وغيرهم . أغنيات فوزي محسون وألحانه سكنت وجدان المتلقي السعودي وجمهور الأغنية في الجزيرة العربية، سواء تلك التي شدا بها بحنجرته الدافئة التي دوما ما تعلن عن شجن دفين يطلقه فنان عملاق بسيط في آن واحد.. أو تلك الأغنيات التي شدا بها كبار فنانينا مثل الراحل طلال مداح (رحمه الله) والفنان الكبير محمد عبده (فنان العرب) وغيرهما.. وتميز فوزي محسون (رحمه الله) بأداء الدانات والمجارير والغناء الصنعاني الأصيل. وهو بلا شك أحد أعمدة الغناء في المملكة، ومن أشهر أغنياته التي جاءت بتوليفة ثلاثية رائعة منه والراحل صالح جلال والمبدعة ثريا قابل «حاول كدة وجرب، لا تصدق، كلام البارحة اتغير، ما عشقت غيرك ولا، قديمك نديمك، يا طير ماذا الصياح، سبحانه، عتبي عليك، جاني الأسمر جاني، عشقته ولا لي في المقادير حيلة، قلي مسافر شهر، متعدي وعابر سبيل». قالوا عنه وفوزي محسون كما كتب عنه سامي عريشي: يكاد يكون قطعة من تراث جدة وفنونها وروعتها التي تسكن الوجدان فقد اعطى كل عمره للفن وأضاف الى تراث جدة الغنائي تراثا له بصمة خاصة تستطيع تسميته ب«المحسوني». فوزي محمد محسون من مواليد جدة في 1347ه بدأ تحصيله العلمي في كتّاب حي الشام بجدة ثم المدرسة الرشيدية التي حصل منها على الابتدائية عام 1368ه، والتحق بمدرسة ليلية وحصل منها على الشهادة الإعدادية، وبدأ حياته العملية في مصلحة بريد جدة التي ظل بها نحو 35 عاما إلى أن احيل الى التقاعد عام 1408ه وهو العام الذي توفي فيه وتحديدا في (17/6/1408ه). بعد مولد فوزي انتقل والده الذي كان محبا للفن الى الطائف وعمل في مصلحة البرق والبريد والهاتف هناك. ووالد فوزي هو الذي ادخل فوزي محسون الحياة العملية في الهاتف في الطائف إلا ان فوزي ظل في جدة وارتبط مع كبار فنانيها مثل محمد علي سندي (رحمه الله). ويقول زميله في الحياة العملية الإعلامي المتقاعد اليوم علي البعداني: كنت اعمل في البريد، وأذكر ان تعييني فيه جاء في يوم واحد مع الإعلامي الدكتور محمد احمد صبيحي، وكان فوزي محسون يعمل في البرق وذلك في نفس مبنى البريد الحالي في منطقة البلد، وكان فوزي (رحمه الله) قد اعطى كل عمره للفن ويهمه ان يقدم في كل يوم شيئا جديدا للحياة الفنية. أتذكر عندما كانت تسكن في سطوح عمارتنا في باب مكة جوار مقبرة الاسد المغنية والطقاقة خميسة التي رأى فوزي (رحمه الله) انها تمتلك مقومات فنية كبيرة وأنه من الممكن ان يخرج منها فنانة كبيرة على المستوى الإعلامي. وبالفعل كنت أراه في كل يوم تقريبا بعد العمل حاملا عوده ليعطيها دروسا في الموسيقى والغناء، كما قلت لك كل همه خدمة الفن والفنانين، كما سبق أن نوه إلى ذلك استاذنا الكبير محمد الحسون الذي نعده اهم موسوعة عن فوزي محسون (رحمه الله)، وفي تحقيقات صحافية لكثير من الزملاء في الصحافة المحلية ومنهم الزميل عمر صيرفي. أخذ بيدي قال الفنان علي عبدالكريم الذي صاهره الفنان فوزي محسون بزواجه من شقيقته بعد وفاة أم إبراهيم (زوجة فوزي الأولى رحمها الله): كان فوزي اقرب الناس الى نفسي، ولا استطيع أن انكر وقوفه بجواري والأخذ بيدي في خطواتي الأولى.. احبه لطيبته ولإبداعه وعشقه لفنه.. اتذكر منزله بالكندرة الذي كان يعد بمثابة منتدى فني او جمعية فنية مصغرة تجمع رواد الاغنية على حد سواء، منهم الأمير بدر بن عبدالمحسن وسراج عمر وعبادي الجوهر ويوسف رجب. طراز نادر ويقول النجم عبادي الجوهر: هو صاحب اطيب قلب عرفته في حياتي، فهو فنان من طراز نادر يعشق فنه ويقدر من حوله، له إبداعات كثيرة ما زالت تسكن وجداننا ولنا معه ذكريات كثيرة. ومما يذكر انه كان يسعى دوما للأخذ بيد الفنان الناشئ، وكنا بحق ننتظر توجيهاته ونصائحه. ويقول الموسيقار سراج عمر: ذكريات ما زالت عالقة بذهني هي تلك التي تربطني بالحبيب الراحل فوزي محسون، فلقد كان بمثابة الاخ والصديق طوال سني علاقتنا المبنية على الاحترام والتقدير والوفاء. اتذكر ان اول رحلة جمعتني به كانت عن طريق البر حيث سافرنا الى الرياض لتسجيل برنامج مسرح التلفزيون، وكنت احمل في جعبتي اول لحن أداه الفنان الكبير طلال مداح لي، كان فوزي يشجعني ويحمسني ويشد من ازري، كان يقول لي يا سراج انت ملحن موهوب ويطالبني بالاستمرارية، وكنت اسمعه الحاني قبل أي انسان آخر. ويقول الموسيقار محمد شفيق: فوزي محسون هو واجهة المدرسة الجداوية في التلحين اذا ما كان لجدة ملحنوها المترجمون للحياة الموسيقية والوجدانية للأغنية الحجازية. ويقول المتذوق لفن فوزي، ابن البيئة الفنية في جدةومكةالمكرمة خالد عريف: هناك طعم خاص لأغنية فوزي سيما تلك المشتركةبكلمات ثريا قابل أو صالح جلال، فوزي حكاية اخرى تحتاج ان تدرس في مستقبل الايام لهواة الفن الحجازي. رحيل الأغنية وتقول الشاعرة ثريا قابل: استطيع القول انه الفنان النبيل القادر على رسم البسمة على شفاه الجميع، لم يكن ما يربطني به وبالراحل صالح جلال مجرد تعاون فني او خلافه، بل وأستطيع القول انه برحيل فوزي رحلت الاغنية التي تلامس شغاف قلوب المتلقين والتي تحاكي مشاعرنا. وقال الموسيقار طارق عبدالحكيم: فوزي قدم للأغنية السعودية عصارة ابداعه وكل ما يملك من احساس فني واع، هو فارس الفلكلور بلا منازع، كان يسخر إلمامه بالتراث الشعبي والفلكلور بطريقة جميلة، وكان يستطيع ان يخرج منها بعدة افكار كلها رائعة ولكنه كان يختار ما يروق للمستمع. ويقول الفنان الكبير عبدالرحمن خوندنة (استاذ طلال مداح في آلة العود): عندما يكون الحديث عن فوزي محسون علينا ان نسكت.. الذي يتحدث فقط فوزي وفنه، حديثه حديث الوجد للوجدان، كل انغام فوزي ستبقى رصيدا في خزائن تراث الفن الموسيقي والغنائي في بلادنا. ويقول الشاعر مصطفى زقزوق : كما هو الحال مع معظم الامم ان هناك فنان يمثل ضمير الامة، أرى ان فوزي محسون هو ضميرنا في عالم الموسيقى والغناء. أغنياته وحياته أغنيات فوزي تشعر من خلالها أنه يتحدث عن نفسه وعن الحزن الذي اكتنفها، أي انه بات يخرج شحنات الحزن التي بداخله بطريقة غير مباشرة ولكن يلمسها كل من يتذوق اغنياته، وأتذكر منها اغنيته الشهيرة التي غناها اكثر من فنان وفنانة بعد رحيله اغنية «قلي مسافر شهر» وهي كلمات تعبر عن الغربة والفراق والحزن، وكان لها صدى واسع بين محبيه. وفوزي عاش وسط ابنائه البارين به ووالدتهم الذين كانوا الى جواره وهم ابراهيم وخالد وإيهاب بالإضافة الى ابنتين بالمناسبة كلهم جامعيون حرص الراحل على إكمال دراستهم جميعا وكان يجد كل السعادة حين نجاحهم، فنجاحهم يعد نجاحا شخصيا له، وكان لهم رحمة الله نعم الاب ونعم الموجه وذكرت من قبل انه كان ودودا يحرص على إرضاء كل من حوله وبالذات اهل بيته، كان حينما يأتي الى منزله في وقت متاخر يوقظ زوجته ليسألها هل انت غاضبة كوني تأخرت عن المنزل الى هذا الوقت؟ (كان هذا الحوار مستمرا بينهما تقريبا). فوزي أعطى للأغنية في بلادنا أكثر مما اعطى الكثير من اخوته الفنانين.. انه فنان حساس، وذكي، تسانده في ذلك ثقافة ممتازة، وخبرة فنية طويلة، يتمتع بصوت غنائي جيد وأداء متميز. وفوزي الذي برع كملحن تغنى بألحانه الكثير من الفنانين أمثال طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، ابتسام لطفي، وعتاب، وغيرهم ولاقت الحانه قبولا واستحسانا، فهو فنان ساهم في ابراز بعض الصور الشعبية وقدمها في قالب غنائي يختلف عما كانت تقدم به. إحياء المجرور كلنا نتذكر اللحن الشعبي الذي قدمه لنا في اغنية (عشقته ولا لي في المقادير حيلة) من التراث الشعبي الحجازي (المجرور) هذا اللون الشعبي الذي كادت تمسح معالمه عقارب الزمن، فأخرجه لنا الفنان فوزي ليتغنى به، فأعجب بهذا اللون المتميز بإيقاع نابض الكثير من الملحنين والفنانين العرب، وكان من شدة اعجابهم به أن ادخله الملحن الكبير بليغ حمدي في أحد الحانه التي قدمها لكوكب الشرق ام كلثوم.