لا شك أن الشعارات ذات المدلول الديني أصبح لها حضور وتأثير نفسي في عالمنا المعاصر، وأصبحت تؤثر على العقل الباطن للإنسان، وأحيانا تحدد كثيرا من خياراته وقراراته في الحياة، الأمر الذي يدعونا إلى البحث في أصلها التاريخي، ومدى ارتباط الشعار في أصله ونشأته بالثقافة التي يعبر عنها حاليا، ونبدأ بالهلال. والشمس والنجوم والكواكب ذات معان ودلالات ورموز في التراث الديني، حتى سميت بها بعض السور القرآنية، مثل الشمس، القمر، النجم، البروج، ويرتبط الهلال في أذهان المسلمين بالعديد من المعاني والشعائر الإسلامية؛ لتحديد أوائل الشهور القمرية، التي تتعلق بها بعض الأحكام الشرعية: كعدة النساء والصوم والفطر والعيد والنحر والحج والإعلام بدخول الأشهر الحرم، قال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)، ومن ذلك معرفة أطوار القمر، من الهلال الوليد على شكل حرف الراء (ر)، حتى يكتمل بدرا، ثم يتناقص تدريجيا على شكل حرف (C) حتى يدخل في طور المحاق، قال تعالى:(والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم). ولكن هل الهلال شعار إسلامي خالص، قيل إنه ظهر في العهد النبوي كزينة في رايات الصحابة للجهاد، وقيل بدأ مع فتح المسلمين لبلاد الأفرنج، حيث وجدوا الصليب على الكنائس، فجعلوا الهلال رمزا للمساجد، وكانت تزين كسوة الكعبة ب 12 هلالا، وقيل ظهر مع دخول التتار في الإسلام، ولكن الثابت والأحدث زمنيا أن الهلال كان شعارا قديما لمدينة القسطنطينية، معقل الدولة الرومانية، فهو وفقا لمعتقداتهم كان يرمز للقوة والسمو والانتصار، وعلى هيئته صنعت كعكة (الكرواسون) الشهيرة عالميا، حين فشل الحصار العثماني لمدينة فيينا عام في القرن 16. ولكن بعد فتح العثمانيين للقسطنطينية، وأطلقوا عليها اسم إسلام بول (أسطنبول حاليا)، ورث العثمانيون الشعار، واتخذ الهلال بعدا إسلاميا كرمز للمسلمين، يستخدمونه في فنونهم ورموزهم الدينية والاجتماعية وفي أعلامهم الوطنية، حتى أصبح رمزا للحضارة الإسلامية خلال القرون الخمسة الأخيرة، وتحول الهلال في نظر الغرب من شعار اتخذه الأباطرة الرومان قديما رمزا لهم، إلى شعار يرمز للإسلام والمسلمين، وكثيرا ما تصدرت عناوين بعض الصحف الأوروبية والأمريكية المتعصبة عبارات تحذر من (الهلال الأخضر الاسلامي)، ولا سيما في ذروة بعض الأزمات الدولية، ونسي الجميع هذا التطور الذي صحب اتخاذ الهلال كشعار. وعلى أية حال، فإن الهلال أصبح بحكم الواقع والتاريخ يعبر عن معان ملازمة للمسلمين، ومن الصعب التخلي عنه، خاصة أن اتخاذه كرمز يتسق في شكله مع بعض الشعائر والشعارات الإسلامية. [email protected]