بدأت كتابة هذا المقال بداخل بوينج 777 على ارتفاع 36000 قدم وبسرعة تعادل خمسة وثمانين في المائة من سرعة الصوت... ما يعادل طول حوالي ستين سيارة "كامري" في الثانية الواحدة... تخيل قدرات هذه المحركات الجبارة التي تحركنا بهذه السرعة المذهلة... ولفت الطائرة لفة بسيطة إلى الشمال بزاوية سمحت لأشعة الشمس لئن تدخل من النافذة لتلامس وجهي... وإذا بعطسة جبارة ترج جسمي... الواحدة تلو الأخرى... ثلاثة أو ربما أربع عطسات... وهذه ردة فعل عجيبة ولكنني أشترك مع حوالي ثلث البشر في المعاناة منها... وهناك العديد من المسببات الأخرى للعطس وأكثرها شيوعا هي التعرض للمواد التي تولد حساسية بداخل أنوفنا فتسيل المواد المخاطية، وترسل إشارات سريعة، وينشط العصب الخامس الذي يتحكم في أعصاب الوجه، فتبدأ منظومة العطس في عملها لإخراج مصدر الحساسية من أنوفنا... ولكن السؤال المهم هنا هو إذا كانت المشكلة في أنوفنا، فلماذا نعطس من أفواهنا؟ وهل تنجح العطسة في التخلص من مصدر المشكلة بفعالية وبسرعة؟ وعلى سيرة السرعة، فتصل سرعة الهواء الذي يخرج من داخلنا أثناء العطسة ما بين مائة كيلومتر في الساعة إلى ما يعادل سرعة تحليق البوينج 777 المذكورة أعلاه... تخيل أن هذه هي بدون شك إحدى عجائب المنظومات البشرية المعقدة جدا، والعنيفة جدا التي ممكن أن تحدث بداخلنا بدون أن تدمر أية أجزاء تحت الظروف الاعتيادية... وهي من ألطاف الله التي لا تعد... ولذا فردة الفعل للذي يعطس وكأنه خرج من شبه كارثة...نحمد لله دائما ويترحم علينا من حولنا... وفي الغرب يقولون «بارك الله فيك» Bless You أو ربما Gesundheit بالألمانية ومعناها «صحة»، ولا عجب في ذلك فتشترك عضلات الصدر، والبطن، والوجه، وحتى عضلات العين في العملية... ما لا يقل عن عشرين عضلة مختلفة لإخراج زوبعة هوائية هائلة من أفواهنا... وتتولد طبعا فوارق ضغط هائلة بين الأنابيب والفراغات الهوائية بداخلنا أثناء كل هذا... وتنشط منظومة حماية أعيننا فتغمض أثناء خروج العاصفة الهائلة من أفواهنا... ومنظومة الحماية لا تسمح للبشر أن يعطسوا أثناء نومهم، فلو أزمت الأمور بتعرضنا لمؤثرات قوية تثير دواعي العطس، فستفيقنا من نومنا للحظة أو ربما أكثر فنعطس... ثم نعود للنوم... قمة الإبداع الإلهي في منظومات الحماية... ولكن هذه الحماية تحتوى على ابتلاء لا يعلم حكمته إلا الله عز وجل، فأثناء هذه العاصفة الشخصية ممكن أن تخرج حوالي خمسين ألف قطرة محملة بالجراثيم، وبالنسبة لتلك الكائنات المؤذية، العطسة تمثل النقل الراقي المجاني، مثل من يربح تذاكر الدرجة الأولى على أفضل الناقلات الجوية بدون أي عناء... من ضحية إلى ضحية. ولكن العطس لا يقتصر على البشر فحسب فهناك العديد من الكائنات الأخرى التي تتعرض لهذه المنظومة العجيبة، وربما أكثرها شهرة وأظرفها هي الزواحف التي تعطس لتتخلص من الأملاح الزائدة في غدد الأملاح في أنوفها... هل تتخيل عطسة «وزغة» أعزك الله... ممكن أن نتخيل حوادث عجيبة مثل «...فقدت زوجي الأول لأنه عطس أثناء زحفه على الحائط فهوى إلى الأرض حيث وجد التليك بانتظاره...» وهكذا... أمنية تعاني مدننا من تحديات تلوث الهواء بشكل يهدد الأجيال الحالية والمستقبلية ولن تنفعنا بلايين العطسات من التخلص من مهددات صحتنا... أتمنى أن نفلح في تقويم أوضاع إحدى أهم النعم التي لا نستطيع أن نعيش بدونها وهي الهواء... وعسى أن يرحمنا الله عز وجل جميعا، ويلطف بأحوالنا قبل، وأثناء، وبعد العطس. وهو من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة