عندما أقلعنا من جدة كان وزننا حوالي يزيد قليلا عن المائتي ألف كيلو جرام، وبالرغم من ذلك الحمل الضخم، صعدت البوينج 777 بمشيئة الله بكل يسر وخفة بمعدل وقدره حوالي 14 مترا في الثانية الواحدة وهي أسرع من سرعة صعود جميع الطيور في العالم. والفضل لله عز وجل وللمحركين العملاقين اللذين يعتبران من أحدث وأقوى المحركات في تاريخ الطيران التجاري. قوتهما تعادل قوة حوالى 1200 سيارة «كامري». وعند الإقلاع تفوق سرعة دوران أطراف ريش المراوح العملاقة في مقدمة المحرك سرعة الصوت. وأثناء الإقلاع يشفط كل من المحركين كمية رهيبة من الهواء. ولتخيلها فهي تفوق محتوى الهواء في جميع مكاتب المبنى الرئيس لأمانة محافظة جدة في الدقيقة الواحدة.. في كامل المبنى طبعا شاملا جميع المكاتب. وينفث كل من المحركين حوالي عشرين في المائة من هذا الهواء على درجة حرارة مرتفعة جدا.. وتحديدا ففي رحلتنا كانت تبلغ حرارته حوالى 900 درجة مئوية. ولنتوقف لحظة هنا لنتأمل في هذه الأرقام: أيام زمان كنا نستعمل موقدا نحاسيا نقالا اسمه «الدافور». كان يعمل باستخدام وقود «الجاز» أي الكيروسين، وكان يمثل كارثة بيئية وإنسانية بداخل بيوتنا نظرا لخطورته. وكان اشتعاله يحتوى على منظومة درامية، تبدأ عادة بنار برتقالية «هادئة» تصل حرارتها إلى حوالى 900 درجة مئوية. واللون البرتقالي في أي شعلة يعكس أن كمية الهواء قليلة نسبة إلى الوقود وأن الشعلة «باردة» نسبيا. وكنا نزود الدافور بالهواء، أو «نضربه نسم» بمصطلحات الدوافير، من خلال صمام صغير، فترتفع درجة حرارة اللهب لتصل إلى حوالى 1300 درجة مئوية أو أكثر. وعندئذ تكون الشعلة زرقاء اللون مما يعكس ارتفاع درجة حرارتها. وهذا بسبب زيادة كمية الهواء التي تزيد من شدة الاحتراق. وهو يعكس «الهيصة» الفيزيائية الناتجة عن صدامات الجزئيات ببعضها بشكل جنوني، وينعكس ذلك في صوت الموقد المميز. الشاهد أن حرارة نار الدافور الباردة هي أقل قليلا من درجة حرارة الهواء الخارج من محركي البوينج 777. وأما درجة شدة الاحتراق بداخل محركي الطائرة، فهي أعلى من حرارة أعلى درجات نيران «الدوافير»، وفي الواقع فهي تصل إلى حوالى نصف درجة حرارة سطح الشمس والتي تقدر بحوالى 5505 درجات مئوية. وكل هذا على بعد سنتيمترات معدودة من الركاب، حيث نجلس محمين بلطف الله عز وجل، وبدون أن ندري عن أية من التفاصيل الرهيبة الدائرة خارج الكابينة، وكأننا بعيدون كل البعد عن ما يحدث حولنا. وهكذا جرى تصميمها. وهنا لنا وقفة بسيطة فتأمل في أحداث تونس، ومصر، وليبيا وغيرها وستجد ما يرادف ما جاء وصفه أعلاه. احتراقا رهيبا، وزوابع في نفوس البشر على مقربة من الجهات المسؤولة التي كانت معزولة تماما وكأنها بعيدة كل البعد عن ما يحدث حولها. وهكذا جرى تصميمها. أمنية وفي خضم كل هذا دعونا نتذكر القدس فهي أقرب بكثير للاشتعال مما يعتقد البعض. وهي أيضا الأقرب إلينا وتحديدا فهي على بعد 1230 كلم من مكةالمكرمة فقط، وهو نفس البعد تقريبا من مكة إلى الدمام، ولكنها للأسف أصبحت بعيدة عن ذاكرة ونبض العالمين الإسلامي والعربي. أتمنى أن تحصل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين على المكانة التي تستحقها فلن نعزلها عن قلوبنا وعقولنا. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة