بدأت هذا المقال بسرعة مذهلة، وتحديدا فقد كنت أتحرك بسرعة تعادل حوالى 84% من سرعة الصوت. ما يفوق طول خمس وأربعين سيارة كامري في الثانية الواحدة. وتأملت في تلك النعمة، وفي روعة تصميم هيكل البوينج 777 التي حركتني بإرادة الله بهذه السرعة العجيبة، وبالذات «جلد» الطائرة الذي داعب الهواء ليمر حوله بيسر. ولكن ذلك المرور ليس يسيرا، فهناك عوائق يسببها الاحتكاك بأسطح الطائرة. وتحديدا فهناك زوابع هوائية صغيرة تعرقل إنسيابية مرور الهواء، وبالتالي فتتولد مقاومة كبيرة تكلف بذل جهود كبيرة لتيسير حركة الطائرة. طبعا نحن لا نرى كل هذه العواصف الصغيرة بالرغم من أنها تتحكم في الأداء إلى حد كبير. والطريف أن هناك مراكز علمية تصب اهتمامها في الاستفادة من التصاميم الطبيعية لتحسين إنسيابية الحركة. وتحديدا فهي مهتمة بتصاميم «جلود» الطائرات لتقلص من تلك الزوابع. وتستلهم التصاميم المطورة من ريش الطيور، وأسطح الحشرات. بل وتدرس أيضا روائع جلود الدلافين التي تطوع أسطحها بسرعة ودقة عجيبة حسب حركة الماء بمشيئة الله. تخيل أنها تلاعب طبقات الماء الملامسة لجلودها لتقلص المقاومة، فتخفض احتياجاتها للطاقة أثناء حركتها الرشيقة. ولو تأملت في أحد أغرب الجلود فستجدها في المكوك الفضائي حيث توجد حوالى 32 ألف بلاطة مقاومة للحرارة موزعة على سطح المركبة. وكل منها مصنوعة من الرمل. وكل منها مختلفة في الشكل، ولكنها تخدم العديد من الأهداف وأهمها توفير الحماية الحرارية، علما بأن درجة الحرارة على جسم المكوك ممكن أن يصل إلى أكثر من ألف وثلاثمائة درجة مئوية، وهي أكثر من ضعف درجة حرارة أفران «التميس». الشاهد في الموضوع أن هناك تقنية تتفوق على كل ما ذكر أعلاه وهي ما أنعم الله عز وجل به علينا، على أجسامنا. نرى تلك النعم، ونشعر بها، وننعم بما توفره من حماية لنا من المهد إلى اللحد، ولكننا لا نعطها حقها من التأمل. والجلد هو أكبر عضو في الجسم البشري. وهو من أغربها. فكر في آخر مرة جرحت جلدك. سمك الجلد لا يتعدي ربع طول آخر حرف في هذه الكلمة. وبالرغم من ذلك فهو يوفر لنا حماية فعالة من مخاطر بيولوجية، وكيماوية، وحرارية. بل ويتميز بخفة وزنه، فبالرغم من حجمه، فلا يتعدى وزنه سدس إجمالي وزن الإنسان.. حوالى ثلاثة إلى ثمانية كيلوجرامات فقط.. ولو كان أثقل وزنا فسيكون عبئا كبيرا علينا. ويتميز أيضا بليونته، وبقدراته على النمو، ولو لم ينمو بالتزامن مع نمونا «لخرجنا من جلودنا» بشكل دوري كما تفعل الأفاعي. ولا ننسى أيضا خصائص الترميمات فجلودنا تصلح نفسها وسبحان الله على هذه النعم. وخبايا روائع الجلد كثيرة وعجيبة، ومنها التحكم في التبخر لتيسير عملية التبريد. وتأمل في أهمية حاسة اللمس في حياتنا من المهد إلى اللحد. وجد العلماء أن الأطفال المحرومين من اللمس يصابون باضطرابات عاطفية.. شكلها «نيتن ياهوه» من الذين لم تلمسهم العاطفة والحنان والله أعلم. ولا يقتصر ذلك على البشر فحسب. طبعا من الصعب أن نتخيل أمومة وعطف وحنان بعض المخلوقات مثل «الوزغ». أمنية جلودنا تعرف حدودنا الجسمانية، وهناك جلود عمرانية أيضا تعرف حدود المدن ومنها الجدران التي كانت تشيد حول المدن التاريخية لحمايتها. طبعا هذه المنشآت كانت ولا تزال تشهد على عمران «الحرص» وربما أيضا عمران «الخوف». وللأسف نجد اليوم سور القدس المخزي الذي شيدته إسرائيل باسم «جدر هاهافرده» حول بيت المقدس والعديد من المدن الفلسطينية. ويأتي هذا بمفهوم جديد كعنوان «للقسوة» أيضا. أتمنى أن نتذكر أنه وصمة عار عمرانية تاريخية، فهو تذكار للتاريخ على قسوة الصهاينة على البشر، والعمران، والأرض. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة