رغما عن ال 60 عاما التي قضاها، يصر الدكتور عبد الله الغذامي على أن يكون علامة جدلية في مشهدنا الثقافي المحلي، والحالة الأغرب هي محاولة كل طرف من أطراف المشهد على ادعاء وصاله دون غيره بلسان حال: نحن أحق بالغذامي منكم!. الغذامي الذي تجاوز في مرحلته الأخيرة معمعة النقد والتفكيك وسكب المداد إلى مرحلة الطرح الشفهي المعلن «تلفزيونيا وصحافيا»، شكل مادة خصبة ومثيرة و «مستفزة» في السنوات الأخيرة على مستوى الأطراف كافة، زاد من وطيسها الحامي معركة الإثبات بين الغذامي ونظرائه وتراشق المصطلحات «الطاردة» فيما بينهم، بدءا من أدونيس ومرورا برفاق الدرب محمد العلي وعبد العزيز السبيل أو من هم خارج الدائرة كعوض القرني وتركي الحمد وسعد البازعي... منها ما أصبح أسير الزمن الجميل، وكثير منها مازال مستعرا. من جهتي: أشعر أن مساحة التعاطي مع نتاج الغذامي فاتني منها الكثير، لا لشيء إلا لمساحة «الإقصاء» التي نشأ عليها جيلي في مرحلة الخصومة بين الحداثة والتقليد، إذ تلقف جيلي بنهم قاعدة «أنظر إلى من قال لا إلى ماقيل» وفق شهيرة عوض القرني «الحداثة في ميزان الإسلام» وصاحبه سعيد الغامدي في ثلاثية «الكاسيت»، التي حوكم فيها الغذامي بصفته «عراب الحداثة» يستعاذ بالله منه عند مجرد مرور اسمه!، إلا أن رهان «الوعي» قاد جيلنا إلى ساحل النضج، لنكتشف لاحقا كم كنا سذجا. بغض النظر عن كون الغذامي شخصية اعتبارية لها شأنها في الحراك الثقافي ونقده، وقدرته على التفكيك والتحليل وطرح الأنساق الثقافية ومدلولاتها الاجتماعية، إلا أن مجاز التميز الذي لم يستوعبه غالبية المريدين والناقمين هو تجسيد الغذامي لدور المفكر الحر المستقل الذي يعرض أفكاره ولا يفرضها، وأولئك مع «التصنيف» أمرهم صعب بل مستعصي، إذ يقضي الاستقلال بأن ينفك المفكر عن أي قيد اجتماعي يؤثر على مقدماته التي تقوده إلى طرح نتائج «معلبة»، ولذلك احتارت الأطراف كيف تتعامل مع الغذامي وآرائه، فأعداء الأمس أصبحوا ضمن كتيبة «المادحين»، أما أصدقاء «ما مضى» فهم اليوم يندبون أيام الاحتفاء بالرمز... فقط؛ لأن الغذامي مارس حقه الطبيعي في التفكير والنقد وسرح «حارسه الليلي» عن حرز أفكاره. مشهدنا الثقافي يعاني للأسف من متلازمة «بوش»: إن لم تكن معي فأنت ضدي، وأظن بأن الغذامي أكثر وعيا في استدراجه إلى فجور المخاصمة بعد مقاليه عن الليبرالية، وسواء رضوا أم استنكفوا فهم يناقضون أبسط مبادئهم: حرية الرأي والتعبير، ولا مكان إلا لذوي الاستقلال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة