أن يخذلك النجاح وتخفق في مشروعك «المعلن» فهذا أمر طبيعي وسمة واردة لكل إنسان «منتج»، والمنطق العام للمشاريع يضع في اعتباره ردود الأفعال السلبية والإيجابية، وكيفية التعامل معها حول المشروع المطروح ونتائجه، سواء نجح أو أخفق أو ما زال يراوح تخطيطا ودراسة. اللاطبيعي في هذا الشأن، هو أن يسلب صاحب المشروع حق الآخرين في النقد، ويستغل نفوذه الرسمي أو الاجتماعي في إسكات الأصوات الناقدة التي تتعامل مع مشروعه ضمن إطارات «الرأي العام» لا سيما إن كان مشروعه «عاما» يمثل أمة ووطنا وليس «فرديا» لا يمثل إلا نفسه، وهذا بحد ذاته دليل إخفاق وهروب من المواجهة أو الاعتراف... ظنا من ممانعي النقد بأن «الإسكات» سيقضي على أي صوت ناصح أو معترض ولن يسمح إلا بأصوات التأييد والمدائح، ولم يدركوا أن المسألة ما عادت محصورة في صوت أو صوتين وإنما تحولت في عصر الفضائيات والإعلام الجديد إلى قضية «رأي عام» يناقشها الصغير قبل الكبير، ولن يجدي حل «الإسكات» معها نفعا. لم يكن الإخفاق عيبا في عجلة مشاريع الحضارة، بمقدار ما كان حافزا لكل «مخفق» إلى تلمس مكامن النقص ومقدمات الإخفاق والفشل، ومن يقلب قصص الناجحين سيجد فصولا مأساوية في حياتهم العملية قادتهم إلى تحقيق «المنجزات»، ولم نقرأ عنهم فصولا في مهارات الإسكات أو تكميم أفواه المعترضين، فالناقد بكل حالاته «مدحا وذما» بصير كما تقول العرب وكانت النجاحات هي دليل الرد والإفحام. على أي حال.. الإنسان في نقده يتقلب بين عين راضية وأخرى ساخطة، وإشكال ذهنيتنا يكمن في تقريب القائلين إن «كل شيء تمام» والمتفننين بسرد معلقات المدائح في الخطط والمشاريع مع حاشية الهجاء لكل معترض أو ناقد أو ناصح، مذيلة بعبارة «لا يهمونك»، فيشعر صاحب القرار بتفرد أفكاره وندرتها لأن كتيبة «المطبلين» تحيط بأسواره، وعند وقوع الإخفاق تأتي مرحلة اليقظة مع جرعات زائدة من ترياق «نحن الأعلم والأفهم» و«لا صوت يعلو فوق صوتنا». وتحت ظل الإخفاق والفشل تبرز «عين السخط» المنتشية، وجزء من لهيب نشوتها حالة الإسكات التي كانت تعيشها في فترة العمل، وحين إعلان الفشل يتحول النقد العادل إلى نقد متشف، كان العامل الرئيس في تحوله تغييب مناخات الحوار والاستماع، فتصبح قضيتنا المستغرقة: صراع بين أفكار التحديث والتطوير والتصحيح وبين المستميتين في حماية الحالة السائدة في المجتمعات... ومن ينتصر في النهاية. [email protected]