انتشر في هذا العصر من الفضائيات وشبكات المعلومات (الإنترنت)، وما يطلق عليه فضائيات الفتوى، أو شبكات ومواقع الفتوى على الشبكة العنكبوتية، وما تعيشه من فوضى الفتاوى، وما تسببه من إثارة البلبلة والتشويه المتعمد، فهي بحق مباءات في ناصية الجهل والقول على الله بغير علم، فبضاعتها الجرأة، وعملتها الإثارة، وأساطينها نكرات مجاهيل، يزينون سفك الدماء وتناثر الأشلاء، وأعمال العنف والإرهاب، وبعضها تعمد إلى مفتين يحققون أغراضها، ويسوقون أهواءها، همها المتاجرة والتكسب بالفتوى دون اكتراث إلى حاجة الناس إلى فتاوى منضبطة بالضوابط الشرعية، ومبنية على الأسس العلمية والمقاصدية والقواعد الأصولية، مما كان له كبير الأثر، وخطيره، على الوعي الإسلامي الصحيح لدى عامة المسلمين، كل ذلك يؤكد أهمية طرح هذا الموضوع وتتابع الأبحاث والدراسات فيه؛ ليضع الغير على مقام التوقيع عن رب العالمين حلا لهذه الفوضى العارمة، والفتاوى الشاذة، والإسهاب غير المنضبط في هذا المجال العظيم. لذا، فإن الواجب حماية لبيضة الإسلام، ودفاعا عن أحكامه وتشريعاته أن يعنى بهذه القضية، غيرة على الشريعة، والغيرة على الشريعة من المكارم؛ وهي أولى من الغيرة على المحارم، واستصلاحا للأديان وهو أولى من استصلاح الأموال والأبدان، فكم تسمع من فتاوى فجة لا زمام لها ولا خطام، لا تنور بنور النص، ولا تزدان ببيان حكم الشريعة ومقاصدها وأصولها، تبنى على التجري لا على التحري، لا تقوم على قدم الحق، فتعنت الخلق، وتشجي الحلق، وحق لهؤلاء أن تسلم الأمة من لأوائهم، وتحذر من غلوائهم. فالواجب أن يقوم بهذا العمل المؤهلون دون المتعالمين، والأصلاء دون الدخلاء؛ حفظا لدين الأمة، وتوحيدا لكلمتها، وضبطا لمسالكها ومناهجها؛ لتكون مبنية على الكتاب والسنة؛ بفهم سلف الأمة رحمهم الله وبذلك تسلم الأمة من غوائل المحن، وبواعث الفتن، وتوجد العواصم بإذن الله من قواصم الجريمة الشنيعة، وهي: القول على الله بغير علم. إن الاستباق التقاني، والتسارع الإعلامي، لهو أثر لا ينكر في انتشار الفتيا، وتعزيز شمولها، وتحقيقها لكثير من نتائجها، ومقاصدها، وإصابتها معاقد الحق، في الحلال والحرام، والتشريع والأحكام. ولا ينكر الجانب السلبي الذي أناخ بكلكله، وأطل بخطوبه في كثير من ديار الإسلام عبر الأقنية والفضائيات؛ تمثل ذلك في فوضى الإفتاء، ومزالقة الظاهرة، وتسيب الفتيا، مما ينذر بمأساة إفتائية خطرة، لم يعرف التاريخ لها مثيلا. لذلك فلابد من تحديد الضوابط الشرعية لصحة الفتوى في الفضائيات وإعلاء منارها، لانتشال الفتيا الفضائية من واقعها المر، وكبحها دون الانحدار في مجاهل الغلو والشطط، والتعالم والتجاسر، والهوى، والانحياز، والعجلة، والفوضى، التي ضربت بجرانها على كثير من الأقنية والأقطار. * إمام وخطيب المسجد الحرام