حذّر إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين من مغبة فوضى الافتاء عبر القنوات الفضائية والشبكات ووسائل الاتصالات. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في عصرنا الزاخر بالوقائع والمستجدات الوثاب حيال وسائل الاتصال ذات البريق الإعلامي الأخاذ تبرز قضية شرعية مهمة ذات مقام رفيع تناشد الأمة دون الانحدار منذرة بكارثة مخيفة تلكم هي قضية التوقيع عن رب البريات عبر القنوات أو مايعرف بفتاوى الفضائيات بل هي قاصمة القول على الله بغير علم مما غدا طعنة في الأحكام نجلاء ووصمة مزرية شنعاء في محيا الفتيا الأزهر وسني قدرها الابهر قد خلخلت صحيحها وشابت صريحها وفي نسق الذروة البيانية والبراعة البلاغية الذي لايجري إلا في ضروب الإنكار والتقريع يقول العزيز البديع جل جلاله في عظيم شأنها (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون). وأضاف فضيلته يقول (بالفتيا المدبجة بنور الأصلين الشريفين تستبين معالم الدين وتنجلي غوامض الأحكام عن المستفتين بالفتيا المنضبطة تحمي الملة من التحريف والتغيير ويصان معينها وبها تبرز رحمات الإسلام الربانية ومآلاته المقاصدية السنية في تلائم كفؤ أخاذ مع نوازل العصر والزمان انطلاقا من شمول هذه الشريعة وكمالها وصلاحيتها لكل زمان ومكان). وأردف فضيلته يقول (ولعظيم شأن الفتيا وخطورتها وهيبتها ووعورتها تدافعها الجلة من الأصحاب العظام وتجانبها الخيرة من الأتباع الكرام رضوان الله عليهم ومن العرر التي تمطت بكلكلها وخروبها ولوحت بقمطريرها في رحاب الفتيا الفيحاء مما استوجب التبصير والتحذير والإشارة بالسبابة والنكير ماتمثل في فوضى الإفتاء عبر القنوات والفضائيات والشبكات ووسائل الاتصالات دون حسيب أو رادع حيث غدا مقام الإفتاء العظيم كلأ مباحا وحمى مستباحة وسبيلا مطروقة لكل حافٍ ومنتعل ومطية ذلولا لكل يافع ومكتهل نبرأ إلى الله من ذلك ونبتهل). وأشار فضيلته إلى انه لاتخلو جملة ذلك من بعض آثار ايجابية ومنافع دينية إلا أن الغيور ما أكثر مايرى من أشباه المفتين وأنصاف المتعلمين الذين يتجاسرون وبجرأة عجيبة على مقام التحليل والتحريم فيجملون الفتيا دوما دون تفصيل ويرسلون القول غفلا عن الدليل والتعليل يتطفلون على حلائب الفتوى وهم ليسوا منها في عير ولا نفير ويفتاتون على مقامات العلماء والمجتهدين وهم ليسوا منهم في قبيل يتقحمون دون وجل عظيم المسائل . وأوضح فضيلته أن هؤلاء غرتهم فتنة الإعلام فتوهموا أنهم من الأعلام بل قد ترى بعضهم هدوا إلى السداد والرشاد لايتورع عن اتخاذ الثوابت والأصول غرضا للمناقشة والتبديل تارة بدعوى التيسير والتذليل وأخرى بدعوى تغير الفتوى بتغير العصر والجيل استخفهم الولع بالظهور واستشراف الجمهور فارتكسوا في فتنة قاصمة الظهور . وتحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام عن فتاوى الفضائيات وقال (إن من أخطار تلك الفتاوى الفضائية أنها تنقل عبر قنوات شتى ويتابعها لايحصون كثرة في أقطار البسيطة قد اختلفت مراتبهم وفهومهم ومقاصدهم وعلومهم) مؤكدا فضيلته أن الهفوة في ذلك شدخ في الأمة حاصد وبلاء في الدين راصد وأيا ما كانت مكنة المفتي وباعه ورسوخه في العلم فان الفتوى المباشرة مظنة الخطأ والزلل لأسباب وفيرة ومحاذير كثيرة منها التجري في المسائل دون التحري وعدم القدرة على استتمام الأدلة وتغير العوائد والأحوال لدى البلدان والأعراق وعدم اعتبار ذلك في الإفتاء من الإجحاف وكذلك تحايل بعض المستفتين واختلاف مآربهم في السؤال تعنتا لاتثبتا ومنها تناقض الفتيا وتضاربها مع قنوات أخرى فيحتبلها فئام من الناس بين طاعن وعاذر وقادح محاذر فيتشعب الخلاف في أقطار الأمة ويتمادى وتتنافر القلوب وتتعادى وعلى إثر ذلك أمسى لكل قناة مفتي له جمهور وفريق ومنحنى في الإفتاء وطريق ومحذور آخر مريع وهو التحرج من قول لاادري لان ذلك عند من قل ورعهم منقصة في القدر وحط من الشأن بزعمهم أمام جماهير الفضائيات . ونبه الشيخ عبدالرحمن السديس إلى أن من أخطار تلك الآفات أن بعض القنوات تستقطب لهذا المقام العظيم من قد ينتمون لمناهج موبوءة وأفكار مخبوءة فينتهزون الإفتاء سانحة لبث الأضاليل بين المسلمين في أقصى المعمورة وأدناها في فتاوى فجة بلا دليل ولا حجة ويستغلها ذوو قلوب مريضة ممن يزايدون على الشريعة ويتنكرون لأحكام الملة ويطعنون في أصول الديانة . وحذر فضيلته كل من زج بنفسه في هذا المقام المعضل وهو خلو من الكفاءة والأهلية أن يستدرك في القنوات كبوته وعبر البث المباشر نبوته وما أعظم قول الفاروق وأروع وأسنى وأبدع حيث قال رضي الله عنه (إنما يهدم الإسلام زلة العالم) . وحذر إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس المسلمين من الخوض في الحلال والحرام دون علم واستدلال وقال (لما كان شأن الفتوى الفضائية بتلك المثابة من الخطورة والتبريح والمهابة والتجريح لزم صون مقامها عن الفوضى والعشوائية والمضال والغلو والشطط والهوى واللغط والجهالة والغلط وذلك بالضوابط المتينة والحدود الحصينة فلا يتصدر الإفتاء الفضائي بل وسواه إلا المؤهلون الربانيون الذين تحققت فيهم الشروط وأن تختار القناة الإعلامية الموثوقة بأمانة القائمين عليها دينيا وخلقيا دون المتاجرين بقضايا الأمة وثوابتها المزايدين على الشريعة وحكمتها ). وقال فضيلته (إن من تلكم الضوابط المهمة في الفتوى أن تقصر فتاوى النوازل والقضايا الكبرى والأقليات على المجامع الفقهية والهيئات العليا الشرعية في نأي بمقام الفتوى وساحاتها عن التخرصات الفردية والاجتهادات والأطروحات الأحادية والخوض في ملاسنات صحفية وإعلامية وبذلك وغيره بإذن الله تنتشل الفتيا من مأساة وشيكة وتستثمر الفضائيات والشبكات والمحطات الاستثمار الايجابي الأمثل في نشر للدين والعلم والهدى والخير ولزوم لمنهج الوسطية والاعتدال وحفظ لأمن الأمة الفكري وأن تطوع تلك التقنيات المعاصرة لخدمة المسلمين وقضاياهم وتلك هي الأمنية المرجوة انه لابد من التوارث على ميثاق شرف عالمي للفتوى يضبط منها المسالك وينير الدروب في النوازل الحوالك في تأهيل للاكفياء الاصلاء وذود للمتعالمين الدخلاء عبر إنشاء أكاديميات عليا متخصصة في هذا المجال يقود دفتها علماء راسخون بررة ومجتهدون اكفياء مهرة) . ولفت فضيلته النظر إلى أن من الأمثلة التي يحتذى بها في الفتيا المؤصلة الناطقة بهدي الكتاب والسنة ما تنعم به هذه الديار المباركة بمبادرة موفقة لخدمة هذه القضية العظيمة في سبق مشكور عبر مؤتمرات عالمية ومؤسسات وصروح علمية شرعية حضارية تعالج من هذه الظاهرة أخطارها وتتلافى أضرارها وتتوافى بها إلى سالف عهدها وعزها من الإجلال والاعتلاء مما بوأها بحمد الله سدة الثقة والنفع لدى العالم اجمع ولا يقلل ذلك من أثار الجهات الموثوقة في عالمنا الإسلامي الرحيب. وفي المدينةالمنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس إن العباد يتفاضلون عند ربهم بالتمسك بدينهم الحق وأخلاق الفضل والصدق كما قال تعالى (ولكل درجات مما عملوا) وفي الحديث القدسي عن الرب تبارك وتعالى أنه قال (يا عبادي إنما أعمالكم احصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلاّ نفسه). إن خلق الصبر خلق كريم ووصف عظيم وصف الله به الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ووصف به الصالحين فقال تبارك وتعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) ، وعن أنس مرفوعاً (الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر). وشرح فضيلته معنى الصبر وقال إنه حبس النفس على الطاعة وكفها عن المعصية على الدوام ، والصبر أنواع متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض ، فمن أعظم أنواع الصبر الصبر عن المعصية والمحرمات ، قال الله تعالى (والذين صبروا إبتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار). وأكثر الناس يقدر على فعل الطاعة ويصبر عليها ولكنه لا يصبر عن المعصية فلقلة صبره عن المحرم لا يكون من الصابرين ولا ينال درجة المجاهدين الصابرين فلا يعصم من ورود الشهوات إلا الصبر القوي والورع الحقيقي. وأشار إلى أن المسلم إذا لم يكن متصفاً بالصبر فقد تأتي عليه ساعة تلوح له فيها لذة عاجلة أو شهوة عابرة أو كبيرة موبقة فتخور عزيمته وتضعف إرادته ويلين صبره فيغشي المحرم ويقع في الموبقات فيشقى شقاءً عظيماً ويلقى عذاباً أليماً ، فالصبر عن المحرمات للإنسان مثل الكوابح للسيارات فتصور سيارة بلا كوابح ، والإنسان إذا لم يحبسه صبره وإيمانه عن المحرمات كان مآله في الدنيا الذلة والهوان أو السجن ، وفي الآخرة جهنم وساءت مصيراً مهما كان قد أوتي حظاً في الدنيا. وأضاف فضيلة الشيخ علي الحذيفي أن النوع الثاني من الصبر وهو أعظمها هو الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى على الدوام بالصبر على أدائها وإصابة الحق فيها وإتباع السنة بعملها والصبر على المداومة عليها ، قال الله تعالى (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين). قال الحسن البصري رحمه الله (أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام فلا يدعه لسراء ولا لضراء ولا لشدة أو رخاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا الأعداء الذين ينالون من دينهم وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات على أمر الله فلا يضيع). وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ألآ أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط). وتحدث عن النوع الثالث من الصبر وهو الصبر على الأقدار والمصائب والمكاره التي تصيب العباد وقال (إن ذلك الصبر لا يكون محموداً إلاّ مع الاحتساب بأن يعلم بأن المصيبة مقدرة من الله وأن المصيبة التي وقع فيها هي بسبب المعصية وأن المصائب كلها بقضاء الله وقدره وأن من صبر أجر وأمر الله نافذ ومن جزع وسخط أثم وأمر الله نافذ ، قال الله تبارك وتعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نعم العدلان ونعمة العلاوة) يعني أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة عدلان مشبهان بعدلي البعير في الحمل وأولئك هم المهتدون العلاوة وهو ما يكون بين العدلين). وتابع فضيلته يقول إن الله قد أمر بالصبر في آيات كثيرة من كتابه فأمر بالصبر أمراً مطلقاً كما في قوله تبارك وتعالى (وأصبر وما صبرك إلاّ بالله) ، وأمر بالصبر في أمور مخصوصة لشدة الحاجة فيها فأمر بالصبر لحكم الله الشرعي والقدري ، قال الله تعالى (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً) وأمر بالصبر على أذى الكافرين فقال تبارك وتعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) وأمر بالصبر على ما يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما فيه ذلك من المشقة ، قال الله تبارك وتعالى عن لقمان (يا بني أقم الصلاة وآمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). وأختتم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته بالقول: إن الله تعالى أمر كذلك بالصبر من ولي شيئاً من أمر المسلمين قليلاً كان أم كثيراً فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ) وأمر الله المسلم أن يستعين بالله في التخلق بالصبر والتمسك بالطاعة وقال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) وأمر أن يعود المسلم نفسه على خلق الصبر في كل حالة وفي كل موطن فإن العادة تساعد على الخلق ، ففي الصحيحين ( ومن يتصبر يصبره الله ومن يستغنِ يغنه الله ) ووعد الله على الصبر أعظم الثواب والنجاة من العقاب ، فقال تبارك وتعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وقال تعالى عن ثواب الصابرين (أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .