قد يعتقد البعض أن الحروب العسكرية هي أفضل الطرق وأكثرها فعالية في تحقيق الأهداف الكامنة وراء اندلاع الحروب بصورة عامة، أو أنها الوسيلة الوحيدة للسيطرة على مقدرات أي أمة، ولا شك أن هذا الاعتقاد سببه شيوع الحروب العسكرية واتخاذها وسيلة سريعة ونافذة لتحقيق الكثير من الأهداف وذلك منذ بداية الوجود البشري، غير أن الواقع يؤكد أن هناك العديد من الوسائل الأخرى التي ربما تكون أكثر فعالية لتدمير الشعوب، غير أنها تتطلب من مخططيها الصبر لأن تنفيذها قد يحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود أيضاً. لا شك أن الحروب العسكرية- ولاسيما في وقتنا الراهن- باتت خياراً مكلفاً، وفي ظل التقدم التكنولوجي وقدرة الكثير من الدول على تبادل التكنولوجيا العسكرية وتطويرها، ومع التقدم الملموس في أداء المخابرات العسكرية للكثير من الدول، والتكلفة الباهظة لتدمير البنى التحتية والمرافق الأساسية لأطراف النزاع، جنحت الكثير من الدول لتفادي المواجهات العسكرية المباشرة واللجوء لأنواع أخرى من الصراعات الخفية، فظهرت على سبيل المثال حروب الوكالة، التكتلات الاقتصادية، غير أن أحد أهم هذه الوسائل قاطبة هي حرب المخدرات. قد يعتقد البعض أن المخدرات ما هي إلا وسيلة خفية غير مشروعة تلجأ لها بعض المنظمات الإجرامية بغرض تحقيق الربح السريع فقط، غير أن المخدرات في واقع الأمر سلاح أكثر خطورة بكثير من ذلك، فالمخدرات مورد مهم لتمويل العمليات الإرهابية ووسيلة لنشر الأفكار المتطرفة، وهي أداة تستخدم لتفكيك مجتمعات بأكملها، كما أن بعض الدول استخدمتها كسلاح فتاك ضد الدول الأخرى لتتمكن من تدمير شعبها، فعلى سبيل المثال استخدمت بعض الدول الأفيون كسلاح ضد الصين قبل قرنين فيما يعرف تاريخياً بحروب الأفيون، وكانت هذه الحرب من أشد الحروب الدموية فتكاً وإجراماً بحق البشرية. من المؤكد أن استهداف العنصر البشري بأي مجتمع يؤدي لإسقاطه وتفكيكه للأبد، أما الحرب العسكرية فقد تؤدي لتدمير مرافق الدولة واستنزاف خيراتها وتدمير اقتصادها بالكامل على نحو مؤقت، غير أنه بعد فترة من الوقت من الممكن أن تتعافى الدولة وتسترد قوتها بفضل سواعد أبنائها، وإذا قامت دولة باحتلال دولة أخرى والتحكم فيها لفترة من الوقت، فمن الممكن التخلص من المحتلين وطردهم واسترداد أراضي الوطن منهم، ولكن كيف يمكن استرداد الوطن المنهوب لو كان أبناؤه في حالة ضياع مستمر، لو تم استهداف موارده البشرية الوحيدة القادرة على تنظيم نفسها وخلق كيان قوي وفعال قادر على صياغة حلول ابتكارية لحل مشاكله؟ لهذه الأسباب جميعها يعد تدمير العنصر البشري أحد أهم الحروب الخفية التي قد تتعرض لها أي دولة مستهدفة، ولعل أحد أهم الأسباب التي تزيد من خطورة حروب المخدرات أنها وسيلة يمكن من خلالها اجتذاب ضعاف النفوس والتحكم فيهم، كما أن التعافي من الإدمان ليس بالأمر الهين، كونه يحتاج إرادة قوية مدعومة بوسائل رعاية متقدمة وطرق علاج باهظة التكلفة ووقت زمني طويل، كما أن تأثيره السلبي لا يقتصر على الفرد المدمن فحسب، بل قد يمتد إلى أسرة المدمن بالكامل، بخلاف ذلك يستهدف مروج المخدرات الشباب صغار السن كونهم العنصر الفاعل في أي مجتمع، ولهذا فإن حرب المخدرات تعتبر كارثة حقيقية لأي بلد. لا شك لدينا في أن ابتلاء أسرة واحدة بداء الإدمان كفيل بتدمير حاضرها ومستقبلها، فالمدمن شخص لا يتعدى ضرره الإضرار بنفسه فحسب بل يضر معه جميع أفراد أسرته بلا تمييز، والمدمن عرضة لأن يتم اجتذابه لأي شبكة إجرامية سواء كانت فكرية أو جنائية، فالمدمن قد يكون قاتلاً أو سارقاً أو إرهابياً، وهو يجر شبكة كاملة معه للقاع، فالمدمن شخص فاقد للسيطرة على عقله، وبالتالي يسهل توجيهه والتحكم فيه لخدمة أهداف أجندات مختلفة. من خلال تتبع البيانات التي تصدرها الجهات المختصة بالمملكة عن كميات المخدرات التي يتم ضبطها، يتضح لنا أن الهدف منها ليس استهداف عدد معين من أفراد المجتمع فحسب، بل يتبين لنا أن المستهدف هو جيل بأكمله، ومن خلال تتبع مصادرها يتضح أنها قَدِمَت من بعض الدول التي تعاني من الانفلات الأمني، فتلك الدول تسرح فيها العصابات والمنظمات الإجرامية مستهدفة الدول المجاورة لها الأكثر استقراراً، وقد كانت المملكة إحدى الدول المستهدفة بسلاح المخدرات خاصة بعد اندلاع فوضى الدمار العربي، وقد حرصت بعض الأطراف -العربية أو غير العربية- على حقن المملكة بها، ولكن يقظة رجال الأمن والجمارك كانت لها بالمرصاد للحيلولة دون انتشار هذا الوباء. مع تطور الأحداث واتخاذ الحروب صوراً وأشكالاً مختلفة بات الصراع التقليدي ضعيفاً في وجه العالم التكنولوجي الذي نعيشه الآن، لذلك تطورت وسائل استهداف الدول والشعوب أيضاً لتتناسب مع التغيرات التي حدثت لعالمنا اليوم، وعندما نتابع الجهود الأمنية الحثيثة -والمشكورة- التي تقوم بها الجهات المعنية لمنع السموم من الدخول للمملكة من خلال يقظة رجال الأمن السعوديين، ندرك بوضوح أن المخدرات ليست مجرد ممنوعات يجب مكافحتها، بل هي نوع من السلاح المضمر الأشد فتكاً وضرراً من بقية الأسلحة الأخرى، والذي تتطلب مقاومته تضافر جميع الجهود الشعبية والحكومية لدحره والقضاء عليه حتى قبل أن يقترب من بوابات حدودنا الوطنية.