مما لاشك فيه أن هناك حرباً ضروساً تدور رحاها في الخفاء ولذلك لا تحظى بالزخم الإعلامي الذي تحظى به الحروب العلنية على الرغم من أن آثار تلك الحرب الضروس الخفية أعتى وأنكى وأمر لأنها تستهدف الأنفس والعقول وتدمير المجتمعات من خلال تدمير وحداتها الأساسية المتمثلة في الشباب والشابات الذين هم عماد الوطن ودرعه المتين من خلال إشاعة استخدام وتناول وإدمان المخدرات.. إن حرب المخدرات أصبحت تأخذ شكل صراع مسلح في بعض الدول حيث أصبحت المواجهات بين القوات الحكومية وبين كارتلات المخدرات المتنافسة في تهريب المخدرات على أشدها نعم إن حرب المخدرات التي تشن هذه الأيام والتي تفاقمت لتصبح ظاهرة للقاصي والداني تقف خلفها منظمات سرية لها ارتباطات احتكارية أو استخباراتية أو إجرامية. والذي يمكن الجزم به أن هناك تحالفاً وثيقاً بين تهريب المخدرات والاتجار بها وبين الإرهاب وبين منظمات الجريمة المنظمة عبر العالم، وقد ساعد وسهل من مهمة ذلك الثالوث المدمر التقدم في وسائل الاتصال والتواصل والذي لم يكن في الحسبان هو دخول بعض أجهزة الاستخبارات ذات الارتباطات الصهيونية على خط الإجرام والاستفادة من الانعكاسات المدمرة للمخدرات وعوائد تهريبها والاتجار بها. ولعل خير دليل على ذلك أن هناك دولاً وبيئات محددة يتم التخطيط لاستهدافها أو انه تم استهدافها فعلاً وذلك من أجل تقويض البنية الاجتماعية التحتية لتلك الدول والبيئات. إن تحالف الإرهاب ومنظمات الجريمة المنظمة واستفادتها من تهريب المخدرات والإتجار بها ترعاه قوى لها أطماع اقليمية واقتصادية وعسكرية وأمنية. ولذلك فهم يستخدمون أية وسيلة من أجل تحقيق الغاية التي ينشدونها بما في ذلك الإتجار بالرقيق الأبيض والإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة فكل هذه عبارة عن حلقات متواصلة تدعم بعضها البعض وتتحالف مع بعضها البعض من أجل الوصول إلى غايات وفوائد يستفيد منها حفنة من المخططين الذين يمكن ان يكونوا مجرد مجرمين أو يكونوا ذوي ارتباطات أبعد من ذلك. إن حرب المخدرات أصبحت تأخذ شكل صراع مسلح في بعض الدول حيث أصبحت المواجهات بين القوات الحكومية وبين كارتلات المخدرات المتنافسة في تهريب المخدرات على أشدها. وإذا أخذنا المكسيك كمثال نجد أن الأمر قد تفاقم بحيث أصبح للجريمة المنظمة والإتجار بالمخدرات وتهريبها عدة كارتلات، فكارتل الخليج يتواجد في أكثر من (13) ولاية من ولايات المكسيك ال(31) وكارتل سينالو ينشط في أكثر من (17) ولاية وكارتل خواريز ينشط في أكثر من (21) ولاية وكارتل تنجوانا ينشط في أكثر من (15) ولاية. وفي السنوات الأخيرة أقامت الكارتلات تحالفات مع بعضها البعض مما جعل العمل ضدها مهمة صعبة. لذلك أصبح لزاما على الحكومة المكسيكية العمل على اجتثاث ذلك المرض الذي استوطن هناك وأصبحت له يد طولى في تسيير أمور البلاد. لذلك عندما تسلمت حكومة كالديرون السلطة عام (2006) أخذت تسعى بكل قوة ضد هذه الكارتلات. ولعل أهم اجراء قامت به تلك الحكومة هو الاتجاه إلى تطهير أجهزة الشرطة والأمن والجيش والجمارك وحرس الحدود من الفساد ومن المتعاطفين والمستفيدين من الاتجار بالمخدرات وتهريبها. وبعد ذلك تم الاتجاه إلى إصلاح النظام القضائي والأنظمة ذات العلاقة بالأمور الجنائية وأحكامها. كما تم الاتجاه إلى تعزيز كفاءة ومصداقية القائمين على السجون وكذلك المصحات ذات العلاقة بعلاج الإدمان وضمان عدم وصول المخدرات إلى الموقوفين بسبب التعاطي أو الإدمان. تلا ذلك نشر أكثر من (50) ألف جندي عبر البلاد ولازالت المعركة محتدمة هناك وقد قتل حتى الآن ما بين (10 - 15) ألف شخص ما بين جنود وضباط ومسؤولين ومروجين ومهربين ووسطاء وقيادات فاعلة في تلك الكارتلات. أما على مستوى العالم فإن تجارة وتهريب المخدرات قد ازدهرت هذه الأيام بفضل عوامل جديدة لعل من أهمها التقدم التكنولوجي في وسائل النقل والاتصالات وقد استشرى خطر المخدرات حتى أصبح أخطر من القنبلة النووية خصوصاً ان تعاطي المخدرات وإدمانها أصبح مرتبطاً بانتشار كثير من الأمراض الجسدية والاجتماعية التي يأتي في مقدمتها مرض الإيدز والتفكك الأسري والقتل والجنون والسرقة والاغتصاب والعقوق والإفلاس وفقدان الوظيفة ومصدر الدخل وضياع الأبناء وخسارة الزوجة والأم والأب ناهيك عن انعكاسات تلك المشاكل من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية التي تتحملها الدولة في سبيل محاربة تلك الآفة ومعالجة ضحاياها. وإذا عدنا إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط نجد أن الأوضاع في العراق غير مستقرة وكذلك الحال في اليمن والسودان وجنوب لبنان مما يجعل تلك المناطق مرشحة لأن تكون بؤر انطلاق لتهريب المخدرات والسلاح والإرهاب إلى الدول المجاورة. وإذا كان ذلك مدعوماً بوجود قوى لها مصلحة في تدمير شعوب المنطقة ووقف عجلة التنمية فيها وإشغالها بأنفسها فإن المصيبة تصبح أعظم وأكبر. ولعل وجود إسرائيل وقوى أخرى من أهم العوامل الداعمة لاستشراء تلك المشاكل والعمل على توطينها في سبيل تحقيق مآرب أخرى من ورائها. من هذه المنطلقات يمكن الجزم بأن المملكة مستهدفة بصورة كبيرة من قبل تجار المخدرات ومهربيها ومن قبل الإرهاب الذي بدأ يتحالف مع تجار المخدرات أو يتاجر بها ومن قبل منظمات الجريمة المنظمة التي تستفيد من كل من تجار المخدرات وقادة الإرهاب في تحقيق مآربها. لذلك نجد أن المملكة تخوض اليوم حرباً مقدسة ضد المخدرات والإرهاب وبوادر الجريمة المنظمة من خلال عدة حلقات يأتي في مقدمتها «مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية» ولهذه الاستراتيجية سبع غايات وأوكلت مهمة تنفيذها إلى ست وزارات ذات علاقة من النواحي التعليمية أو العلاجية والأمنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية إلى جانب وزارة العدل واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات. هذا وتشير الاحصائيات الرسمية والمضبوطات الضخمة والاعتقالات العديدة في صفوف المروجين والمهربين إلى أن المملكة على رأس الدول المستهدفة في نشر ذلك الوباء المدمر الذي ما استشرى في بلد إلا أنهكه وفككه وأفقره وجعله مرتعاً للجريمة وقضى على استقراره خصوصاً مع وجود عمالة سائبة وربما بطالة غير واعية. إن أغلى شيء يملكه أي وطن من الأوطان الثروة البشرية التي يمثل الشباب أقوى عناصرها فهو الدرع المتين والقوة المحركة للتنمية والعقول المفكرة والسواعد العاملة وهم رجال الجيش والأمن وبالتالي فإن استهدافهم هو استهداف للوطن ككل. ولذلك فهم مستهدفون من قبل تلك الحرب الضروس التي يدعمها اهمال بعض الآباء والأمهات لأبنائهم وتركهم يسرحون ويمرحون دون ضوابط أو قيود أو مراقبة أو تحصين ومتابعة وبالتالي يصبحون فريسة سهلة للمجرمين من مروجين ومهربين ومفسدين في الأرض ناهيك عن تجنيدهم في صفوف الإرهاب ومفرداته. إن استهداف الشباب من قبل تجار ومروجي المخدرات أصبح ذا أولوية لذلك ينتشر المروجون حول المدارس والجامعات والمقاهي والاستراحات وربما داخلها ولهم أساليبهم ووسائلهم المباشرة وغير المباشرة التي يستدرجون بها ضحاياهم من هذه المنطلقات لابد من التحرك ضد أولئك المجرمين من خلال استخدام جميع الوسائل والسبل الناجحة مثل سن مكافآت وجوائز لكل طالب أو مدرس يكشف للجهات الرسمية عن مهرب أو مروج لكي ينال عقابه وجزاءه وعن كل متعاطٍ أو مدمن لكي يمكن علاجه ناهيك عن المدمن والمتعاطي يمكن ان يدل على المصدر الذي حصل من خلاله على ذلك السم الزعاف، كما أن مراقبة المقاهي والاستراحات وغيرها من مواقع التجمعات الشبابية سوف يثمر خصوصاً إذا تم استقطاب بعض الشباب الواعي ممن يرتاد تلك المواقع والأماكن ليس هذا فحسب بل ان تكثيف عملية التوعية وجعلها من أهم واجبات الإعلام ومن أهم نشاطات المدارس بحيث ترصد جوائز ومكافآت لكل نشاط يقدم على شكل مسابقات بين الطلاب تدور أحداثها حول الآثار المدمرة للمخدرات والإرهاب والجريمة وكذلك أساليب المروجين والمستقطبين والداعين إلى ممارسة تلك الأعمال المشينة ناهيك عن كشف أساليب مخادعة الشباب وإيقاعهم في براثن ذلك الفخ القاتل كما أن معرفة أساليب العلاج من الإدمان وبيان أهميته له دور فاعل في التقليل من تفاقم المشكلة والحد من انعكاساتها.