هناك من يشتري تعاسة الحظ للشعوب وإن كانت التكلفة باهظة فالفائدة الاقتصادية والسياسية حتما ستكون أثمن من الخسائر البشرية بكثير، ولتحقيق التعاسة يجب أن تكون هناك ظروف موائمة، فالتعاسة أحيانا صناعة قبل أن تتحول إلى مرض. وتتمحور الظروف حول فوضى النظم السياسية وبالتالي ينعكس على النظم الاجتماعية من تفكك وانحلال مع وجود فئة من الناس تغلب على إنسانيتهم عقيدة التدمير، وأحيانا يصبح العكس حقيقة، بمعنى هناك أنظمة سياسية متينة لكن تتعمد قوى خارجية على سحق هذه الأنظمة لتصل إلى هدفها المنشود في شراء تعاسة الحظ للشعوب المعنية، ولتعاسة الحظوظ أسباب عدة منها ما هو شخصي وفق أقدار إلهية ومنها ما هو مشترك على مستوى شعب بأكمله، وهنا الطامة! والجدير بالذكر أنه بالماضي القديم جدا، كانت الحروب عبارة عن سيف ورُمح تعتمد على شجاعة ومهارة الجيش فقط، ومع تطوّر المعدات العسكرية وصولا إلى التقنية فقد تساوى الشجاع والجبان ولم يعد هناك فاصل بينهما سوى الأجدر بالسلاح من حيث التقنية، ولكن إن أصبح هناك تكافؤ بالسلاح لا بُد وأن تكون هناك أدوات أخرى خاصةً أن الصناعات العسكرية تُشكل عبئاً اقتصاديا ضخما على من يُقبل لخوض غمار معركة واحدة فقط! لذلك لم يعد هذا كافيا لخوض المعركة فلا بُد من تعطيل العقول أولاً؛ فالحروب الفكرية هي الفاصلة كحد السيف في وقتنا الحاضر لذا دمِّر فِكر وعطِّل عقل حتى تحتل أكبر بقعة جغرافية على الكرة الأرضية، ولتعطيل الفِكر حيثياته وأدواته وهي معروفة لدى صُنّاع التنظيمات الإرهابية التي تحظى برعاية من مختلف بلدان قوى الشر في العالم، أما تعطيل العقل فله أسباب علمية بحتة إما بفعل جينات أو عامل مُساعد وفق تأثير المخدرات والمُسكرات على المدى البعيد. هل من الممكن أن تكون نفس القوى التي عبثت بأمن الدول العربية هي ذاتها من تتبنى تجارة المخدرات بوساطة من تجار عرب كبار لتعطيل العقل العربي أكثر مما هو عليه تعطيلاً الآن؟ وللتاريخ شواهد بلغت بمئات الألوف لما أعنيه، منها "حرب الأفيون" على سبيل المثال التي حدثت بين بريطانياوالصين بين عامي 1839–1842م وكانت الحيثيات نصاً كالتالي: طلب ملك بريطانيا العظمى جورج الثالث من الإمبراطور الصيني لونج توسيع العلاقات التجارية بين البلدين. بيد أن الإمبراطور الصيني أجاب: إن امبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع، وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة. فلم تستطع بريطانيا في ظل هذه الظروف تصدير إلا القليل جدا من سلعها إلى الصين وفي المقابل كان على التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين من الشاي والحرير والبورسلين نقدا بالفضة، مما تسبب في استنزاف مواردهم منها. لذلك لجأ الملك جورج بحنكة سياسية اعتبرها بعض منظري الساسة والمؤرخون من أبشع الحنكات على مر التاريخ وقد جاءت كالتالي: أمرت بريطانيا إحدى شركاتها وهي شركة الهندالشرقية البريطانية المعروفة، والتي كانت بدورها تحتكر التجارة مع الصين، إلى زرع الأفيون في المناطق الوسطى والشمالية من الهند وتصديره إلى الصين كوسيلة لدفع قيمة واردتها للصين. وبالفعل تم تصدير أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين في عام 1781م وقد لاقت تجارة الأفيون رواجا كبيرا في الصين، مما زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين، وبدأت بوادر نجاح الخطة البريطانية في الظهور والتي كانت تهدف إلى زج الشعب الصيني في دوامة إدمان الأفيون وهكذا بدأ نزوح الفضة من الصين لدفع قيمة ذلك الأفيون. وبدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني مما دفع بالإمبراطور يونغ تيكينج في عام 1729م بإصدار أول مرسوم يقتضي بتحريم استيراد المخدرات، غير أن شركة الهندالشرقية البريطانية مضت متجاهلة لهذا المنع واستمرت في تهريب الأفيون إلى الصين. وارتفعت حركة التهريب للأفيون إلى الصين بصورة تدريجية حيث لم يُهرَّب إليها في عام 1729م سوى 200 صندوق تحوي 608 كيلوجرامات من الأفيون قدرت تكلفتها بخمسة عشر مليون دولار، ثم في عام 1792م وصلت المهربات الى 4000 صندوق حوت 272 طناً، والجدير بالذكر أن الصيني كان يبيع أرضه ومنزله وزوجته وعائلته للحصول على الأفيون؛ نتيجة للإدمان. نعم فالمدمن بلا وعي، بلا عقل يفعل المستحيل في سبيل الحصول على هذه المادة السامة، ومن الطبيعي أن تنزعج حكومة الصين لهذه الظاهرة التي أنتجت التعاسة المدمرة للشعب بأكمله، مما جعله يُصدر قرارا آخر أشد وطأة بحظر استيراد الأفيون قطعا إلى الإمبراطورية الصينية، كان ينص على إجبار التجار البريطانيين والأميركيين بتسليم مخدراتهم من الأفيون الذي بلغ ألف طن، وبعد التسليم قام بإحراقها في احتفالية كبيرة شهدها المناوئون لهذا المخدر. لكن بريطانيا العظمى التي كانت في أوج قوتها حين ذاك لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه الإمبراطور الصيني؛ لذلك أعلنت الحرب على الصين لهدف فتح الأبواب من جديد أمام تجارة الأفيون، غير مكترثة لما ستحدثه للبشرية من دمار نفسي وجسدي وأخلاقي وحتى تكون الحرب بضوابط شرعية، بحث البريطانيون عن ذريعة لهذه الحرب فاستوقدت أفكارهم حول شعار جديد هو (تطبيق مبدأ حرية التجارة). وانتهت الحرب بالطبع لصالح بريطانيا، وما يهمنا في الوقت الحالي هو التمعّن في حال تهريب وتصنيع المخدرات التي تكثُر في الشرق الأوسط بطريقة ممنهجة بِدءاً من أفغانستان وسورية ولبنان واليمن، هذه كلها مناطق صِراع عسكري تقودها قوى خارجية، فهل من الممكن أن تكون نفس القوى التي عبثت بأمن الدول العربية هي ذاتها من تتبنى تجارة المخدرات بوساطة من تجار عرب كِبار لتعطيل العقل العربي أكثر مما هو عليه تعطيلاً الآن؟ إننا نعيش بكارثة حتماً إن لم نستفد من التاريخ، فالمخدرات سلاح ضد الشعوب أيضاً. إضاءة للقارئ: في عام 2013م ضبطت الحكومة اللبنانية حوالي 55 مليون حبة (كبتاغون) المخدرة يتم تهريبها إلى منطقة الخليج بشكل منظم وممنهج وبحرفيه عالية جدا في السنوات العشر الأخيرة.