مما لا شك فيه أن هناك حرباً ضروساً تدور رحاها في الخفاء، ولذلك لا تحظى بالزخم الإعلامي الذي تحظى به الحروب العلنية على الرغم من أن آثار تلك الحرب الضروس الخفية أعتى وأنكى وأمرّ، لأنها تستهدف الأنفس والعقول وتدمر المجتمعات من خلال تدمير وحداتها الأساسية المتمثلة في الشباب والشابات الذين هم عماد الوطن ودرعه المتين من خلال إشاعة استخدام وتناول وإدمان المخدرات وترويجها. إن ما يشوب الشرق الأوسط من اضطراب ومطامع وانقسامات وتدخلات وإرهاب وفوضى، يُعد بيئة مناسبة لتهريب المخدرات وترويجها واستهداف الدول المستقرة مثل المملكة بهذه الآفة لزعزعة استقرارها من خلال هدم البنى التحتية لها والتي يمثل الشباب عمادها نعم إن حرب المخدرات التي تُشن هذه الأيام والتي تفاقمت لتصبح ظاهرة للقاصي والداني تبقى خلفها منظمات سرية لها أهداف أمنية وسياسية تدميرية لارتباطاتها الاستخباراتية. والذي يمكن الجزم به أن هناك تحالفا وثيقا بين تهريب المخدرات، والاتجار بها وبين الإرهاب، وبين منظمات الجريمة المنظمة عبر العالم. وقد ساعد وسهّل من مهمة ذلك الثالوث المدمر التقدم في وسائل الاتصال ، والتواصل والذي لم يكن في الحسبان هو دخول بعض أجهزة الاستخبارات ذات الارتباطات الصهيونية على خط الإجرام والاستفادة من الانعكاسات المدمرة للمخدرات وعوائد تهريبها والاتجار بها. ولعل خير دليل على ذلك أن هناك دولا وبيئات محددة يتم التخطيط لاستهدافها، أو أنه يتم استهدافها فعلاً وذلك من أجل تقويض البنية الاجتماعية التحتية لتلك الدول والبيئات وفي مقدمتها المملكة. إن تحالف الإرهاب ومنظمات الجريمة المنظمة واستفادتها من تهريب المخدرات والاتجار بها ترعاه قوى لها أطماع إقليمية واقتصادية وعسكرية وأمنية. ولذلك فهم يستخدمون أية وسيلة من أجل تحقيق الغاية التي ينشدونها بما في ذلك الاتجار بالرقيق الأبيض والإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة. فكل هذه عبارة عن حلقات متواصلة تدعم بعضها البعض، وتتحالف مع بعضها البعض من أجل الوصول إلى غايات وفوائد تستفيد منها أفراد وجماعات ومنظمات من الذين يمكن أن يكونوا مجرد مجرمين أو يكونوا ذوي ارتباطات مخابراتية مع دول ومنظمات مشبوهة. إن حرب المخدرات أصبحت تأخذ شكل صراع مسلح في بعض الدول حيث أصبحت المواجهات بين القوات الحكومية، وبين كارتلات المخدرات المتنافسة في تهريب المخدرات على أشدها. وإذا أخذنا المكسيك كمثال نجد أن الأمر قد تفاقم بحيث أصبح للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات وتهريبها عدة كارتلات، فكارتل الخليج يتواجد في أكثر من (13) ولاية من ولايات المكسيك ال(31)، وكارتل سينالوا ينشط في أكثر من (17) ولاية، وكارتل خواريز ينشط في أكثر من (21) ولاية، وكارتل تيخوانا ينشط في أكثر من (15) ولاية.. وفي السنوات الأخيرة أقامت الكارتلات تحالفات مع بعضها البعض ما جعل العمل ضدها مهمة صعبة. ولذلك أصبح لزاماً على الحكومة المكسيكية العمل على اجتثاث ذلك المرض الذي استوطن هناك وأصبحت له يد طولى في تسيير أمور البلاد. لذلك عندما تسلمت حكومة كالديرون السلطة عام (2006) أخذت على عاتقها وبكل قوة محاربة هذه الكارتلات. ولعل أهم إجراء قامت به تلك الحكومة هو الاتجاه إلى تطهير أجهزة الشرطة والأمن والجيش والجمارك وحرس الحدود من الفساد ومن المتعاطفين والمستفيدين من الاتجار بالمخدرات وتهريبها. وبعد ذلك تم الاتجاه إلى إصلاح النظام القضائي، والأنظمة ذات العلاقة بالأمور الجنائية وأحكامها. كما تم الاتجاه إلى تعزيز كفاءة ومصداقية القائمين على السجون والمصحات ذات العلاقة بعلاج الإدمان وضمان عدم وصول المخدرات إلى الموقوفين بسبب التعاطي والإدمان. تلا ذلك نشر أكثر من (50) ألف جندي عبر البلاد ومازالت المعركة محتدمة هناك وقد قتل حتى الآن ما بين (15 - 25) ألف شخص ما بين جنود وضباط ومسؤولين ومروجين ومهربين ووسطاء وقيادات فاعلة في تلك الكارتلات. أما على مستوى العالم فإن تجارة وتهريب المخدرات قد ازدهرت هذه الأيام بفضل عوامل عديدة لعل من أهمها التقدم التكنولوجي في وسائل النقل والاتصالات، وقد استشرى خطر المخدرات حتى أصبح أخطر من القنبلة النووية، خصوصاً أن تعاطي المخدرات وإدمانها أصبح مرتبطا بانتشار كثير من الأمراض الجسدية والاجتماعية التي يأتي في مقدمتها مرض الإيدز والتفكك الأسري والقتل والجنون والسرقة والاغتصاب والعقوق والإفلاس وفقدان الوظيفة ومصدر الدخل، وضياع الأبناء وخسارة الزوجة والأم والأب، ناهيك عن انعكاسات تلك المشاكل على النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية التي تتحملها الدولة في سبيل محاربة تلك الآفة ومعالجة ضحاياها. وإذا عدنا إلى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط نجد أن الأوضاع في العراق غير مستقرة وكذلك الحال في اليمن والسودان وجنوب لبنان، ما يجعل تلك المناطق مرشحة لأن تكون بؤر انطلاق لتهريب المخدرات والسلاح والإرهاب إلى الدول المجاورة. وإذا كان ذلك مدعوماً بوجود قوى لها مصلحة في تدمير شعوب المنطقة ووقف عجلة التنمية فيها وإشغالها بأنفسها، فإن المصيبة تصبح أعظم وأكبر.. ولعل وجود إسرائيل والمنظمات الإرهابية ودول أخرى من أهم العوامل الداعمة لاستشراء تلك المشاكل والعمل على توطينها في سبيل تحقيق مآرب أخرى من ورائها. من هذه المنطلقات يمكن الجزم بأن المملكة مستهدفة بصورة كبيرة من قبل تجار المخدرات ومهربيها، ومن قبل الإرهاب الذي يتحالف مع تجار المخدرات ويتاجر بها، ومن قبل منظمات الجريمة المنظمة التي تستفيد من كلّ من تجار المخدرات وقادة الإرهاب في تحقيق مآرب، لذلك نجد أن المملكة تخوض اليوم حرباً مقدسة ضد المخدرات والإرهاب وبوادر الجريمة المنظمة من خلال عدة حلقات يأتي في مقدمتها «مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية» ولهذه الاستراتيجية سبع غايات أوكلت مهمة تنفيذها إلى ست وزارات ذات علاقة من النواحي التعليمية أو العلاجية والأمنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية إلى جانب وزارة العدل واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات. ولا شك أن العامل الأمني يأتي في المقدمة. هذا وتشير الإحصائيات الرسمية والمضبوطات الضخمة والاعتقالات العديدة في صفوف المروجين والمهربين إلى أن المملكة على رأس الدول المستهدفة في نشر ذلك الوباء المدمر الذي ما استشرى في بلد إلا وأنهكه وفككه وأفقره وجعله مرتعاً للجريمة، وقضى على استقراره خصوصاً وجود عمالة سائبة وبطالة غير واعية. إن أغلى شيء يملكه أي وطن من الأوطان هو الثروة البشرية التي يمثل الشباب أقوى عناصرها فهم الدرع المتين والقوة المحركة للتنمية، والعقول المفكرة والسواعد العاملة وهم رجال الجيش والأمن وبالتالي فإن استهدافهم هو استهداف للوطن ككل. ولذلك فهم مستهدفون من قبل تلك الحرب الضروس التي يدعمها إهمال بعض الآباء والأمهات لأبنائهم وتركهم يسرحون ويمرحون دون ضوابط أو قيود أو مراقبة أو تحصين ومتابعة وبالتالي يصبحون فريسة سهلة للمجرمين من مروجين ومهربين ومفسدين في الأرض ناهيك عن تجنيدهم في صفوف الإرهاب ومفرداته. إن استهداف الشباب من قبل تجار ومروجي المخدرات أصبح ذا أولوية لذلك ينتشر المروجون حول المدارس والجامعات والمقاهي والاستراحات وربما داخلها ولهم أساليبهم ووسائلهم المباشرة وغير المباشرة التي يستدرجون بها ضحاياهم. من هذه المنطلقات لابد من التحرك ضد أولئك المجرمين من خلال استخدام جميع الوسائل والسبل الناجحة مثل سن مكافآت وجوائز لكل طالب أو مدرس يكشف للجهات الرسمية عن مهرب أو مروج لكي ينال عقابه وجزاءه، وعن كل متعاطٍ أو مدمن لكي يتم علاجه، ناهيك عن أن المدمن والمتعاطي يمكن أن يجندا لكي يدلا على المصدر الذي حصلا من خلاله على ذلك السم الزعاف، كما أن تشديد المراقبة على المقاهي والمدارس والاستراحات وغيرها من مواقع التجمعات الشبابية سوف يثمر خصوصاً إذا ما تم استقطاب بعض الشباب الواعي ممن يرتادون تلك المواقع والأماكن.. ليس هذا فحسب بل إن تكثيف عملية التوعية والتثقيف عن أضرار آفة المخدرات وأنها جزء لا يتجزأ من الإرهاب والجريمة المنظمة أمر مهم وذلك من خلال: * اعتماد برنامج مكثف يحتوي على نشاطات وندوات وورش عمل وكتيبات ومطويات، وذلك على مستوى جميع مراحل التعليم وبما يتناسب مع كل مرحلة، ورصد جوائز قيِّمة للفعاليات والمسابقات المرافقة. * بيان ارتباط الثلاثي النجس الذي يتمثل في الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة. * إعادة هيكلة جميع القطاعات ذات العلاقة بمكافحة ومعالجة ومعاقبة مهربي ومروجي المخدرات بحيث يتم استبعاد كلّ من لا يقدم إنجازاً ملموساً في ذلك الاتجاه وكل من قصر نظره عن أبعاد ذلك الطاعون الخبيث، وكل من لا ترقى كفاءته إلى مستوى التحدي، وكل من تساهل أو تعاطف مع مهربي أو مروجي أو مدمني ذلك السرطان الخطير. * رفع كفاءة جهاز مكافحة المخدرات إلى مستوى كفاءة جهاز محاربة الإرهاب أو دمجهما في جهاز واحد ذي مهارة عالية باعتبار أن تهريب المخدرات والاتجار بها أحد أعمدة الإرهاب ومصدر رئيسي من مصادر تمويله، وباعتبارهما جناحين للجريمة المنظمة. * إن الإرهاب على استعداد لاستخدام أية وسيلة للحصول على المال سواء أكان من خلال الجريمة المنظمة أم من خلال الابتزاز والاختطاف، أو من خلال تهريب المخدرات والاتجار بها. وما اختطاف القنصل السعودي في اليمن والمساومة عليه إلا من هذا القبيل. * التوعية والرقابة من خلال الأسرة ذات مفعول أساسي، فالمراقبة والتوعية والتحذير والتوعية والتثقيف والمتابعة من أهم وسائل الوقاية. * توعية القادمين إلى المملكة سواء للعمل أو الحج أو العمرة أو الزيارة بعقوبة مهربي المخدرات والاتجار بها وترويجها وأنها تصل إلى حد القتل وهذا أمر مهم خصوصاً إذا ما تم ذلك قبل وبعد الحصول على تأشيرة الدخول إلى المملكة وقبل مغادرتهم بلادهم. * إن هزيمة الإرهاب، وتهريب المخدرات وترويجها والاتجار بها كفيل باجتثاث بذور الجريمة المنظمة لأن الإرهاب والمخدرات يعتبران جناحيها اللذين تطير وتمارس جرائمها بهما. * إن ما يشوب الشرق الأوسط من اضطراب ومطامع وانقسامات وتدخلات وإرهاب وفوضى، يُعد بيئة مناسبة لتهريب المخدرات وترويجها واستهداف الدول المستقرة مثل المملكة بهذه الآفة لزعزعة استقرارها من خلال هدم البنى التحتية لها والتي يمثل الشباب عمادها. والله المستعان..