أن يجد الإنسان يقيناً وقيماً وثباتاً، وهوية جامعة، في عصور من الاضطراب والشك، وتضارب المصالح الضيق. أن يصحو على مستقبل يتشكل اليوم في رسوخ الرؤية، وخير البشرية، وصالح الكوكب أجمع، في أوقات تبدو حتى أشد القيم رسوخاً عرضة لرياح التكسب والحشد السياسي، وأن يجد الإنسان تاريخاً ممتدًا لثلاثة قرون من البناء الدؤوب، والإخلاص المستمر، وتسلسل عظيم من قادة ورجال ونساء أسلموا لبنات البنيان بعزم حتى انتهت لنا اليوم. فثمّ الهوية التي تفسر بناء الإنسان وعمران الأرض، والمستقبل الذي يعني بذل اليوم لخير ومصلحة أجيال الغد، والولاء الذي يسخر ضيق الذات لسمو الغايات، ثمّ الوطن. يعني الاحتفال بيوم التأسيس، بالذات، احتفالاً بما ترسخ لدى مواطن هذه الأرض، رجلاً أو امرأة، شيخاً أو طفلاً، وبما يحتاجه إنسان هذا العصر تحديدًا، من يقين الركيزة الأولى، ومما كابدته وتجشمت عناءه طوال ثلاثة قرون أجيالٌ كان محركها الإيمان المخلص لا سواه. إن مفهوم الحق، الذي غُرِست على ضفافه راية الوطن ونخلته، المتجاوز لضيق أفق الصواب السياسي، وتغير المفاهيم والقيم تبعًا لتغير المصلحة الآنية، جاء من عراقة ثقافة أصيلة، تلقفها رجال يؤمنون بها الإيمان الحق المتجدد، غير المتغير تبعاً لمزاج الفرص المؤقتة. جاء من رسالة إلهية تنفسناها فطرة وسلوكاً قبل أن نخطو أول خطواتنا على هذه الأرض، فلا نترك موكب الإنسان نهباً للتجارب وطوفان الأهواء، ولا سفينة الوطن مجالاً لتجاذب المصالح وعنجهية النوايا الطارئة. لا أقرأ في التاريخ سيرة تشبه سيرة هذا الوطن ورجاله، حيث الامتداد الغني، كما لو أن الرجال الأوائل، أئمة وملوكاً، قد عملوا على قلب رجل عزوم واحد، وكما لو أنهم اتفقوا بلا رجعة على مرجعٍ من قيم عربية وإسلامية أصيلة، فلم يحيدوا عن كرم ونخوة، وإباءً أمام المعتدي ولين جانب مع الأخ والصديق، وصلابة في وجه الجهل والفوضى ويداً لينة للتوافق والنمو. كما لو أن ثلاثة قرون قد كتبت في صفحة واحدة من خير الإنسان، وحق القيم، ويقين الوجهة. وقلما أجد حاضراً مشرقًا، كحاضر وطني في يوم تأسيسه الخالد. في تجدد المعنى، والفخر بهوية حملتها الإرض وإنسانها، وفي كلمات قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وفي الأمل المتمثل برؤية ولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إنه حاضر الفخر بالهوية، والتاريخ، والقيم، معاً في يوم خالد واحد.