كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: الحامِض وهو سليمان بن محمد بن أحمد، يُكَنَّى بأبي موسى، ويُلَقَّب بالحامض، لشراسته. تتلمذ على يد شيخ النحويين ثعلب، وصاحَبَه لمدَّة أربعين عاماً حتى وفاة ثعلب، وكان من كبار تلاميذه، وبعد وفاة ثعلب خلَفَه في رئاسة الكوفيين وجلَسَ مجلِسه، اشتهر أبو موسى في بغداد، حتى قيل عنه: «كان أوحد في البيان والمعرفة بالعربية واللغة والشعر». وكان ثِقَةً صالحاً، إلا أنَّه كان بخيلاً شرِساً، توفِّي أبو موسى الحامض سنة 305 ه ولهُ من المؤلفات مختصر في النحو، وغريب الحديث، وخَلقُ الإنسان والوحوش والنبات.