كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، قادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يخالطها من الشوائب التي تشوبها، وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، منهم: الحسن بن أحمد بن عبدالغفار بن أبان الفارسي، أحد الأئمة من غير العرب الذين ساهموا في إثراء اللغة العربية عبر التاريخ. من أشهر كتبه «التذكرة في علوم العربية» و«جواهر النحو» و«المقصور والممدود» و«التعليقة على كتاب سيبويه» و«المسائل البصريات» و«كتاب الشعر» و«العوامل» في النحو. صحب عضد الدولة بن بويه، وتقدم عنده وعلت منزلته حتى قال عنه عضد الدولة: أنا غلام أبي علي الفارسي في النحو، وصنف له كتاب الإيضاح، والتكملة في النحو. قال عنه السيوطي: «أوحد زمانه في علم العربية»، وقال كثير من تلامذته: «إنّه أعلم من المبرِّد»، وقال ابن خلكان: «وكان إمام وقته في علم النحو»، وهو شيخ أبي الفتح بن جني. حكى أبو القاسم بن أحمد الأندلسي قال: جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي الفارسي، فقال: إني لأغبطكم على قول الشعر، فإن خاطري لا يوافقني على قوله مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده، فقال له رجل: فما قلت قط شيئاً منه قال: ما أعلم أن لي شعراً إلا ثلاثة أبيات في الشيب، وهي قولي: خضبت الشيب لما كان عيباً وخضب الشيب أولى أن يُعابَا ولم أخضب مخافة هجر خل ولا عيباً خشيت ولا عِتابَا ولكن المشيب بدا ذميماً فصيرت الخضاب له عِقابَا مات في بغداد سنة 377 للهجرة عن تسعين سنة.