كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، منهم أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار، البغدادي النحوي، الشيباني، ولد ببغداد في السنة الثانية من خلافة المأمون (200 ه)، شيخ العربية وإمام الكوفيين في النحو واللغة والحديث في عهده، وثالث ثلاثة قامت على أعمالهم مدرسة الكوفة النحوية، صاحب الفصيح والتصانيف. سمّي بالثعلب لأنه كان إذا سئل عن مسألة أجاب «من هاهنا وهاهنا» فشبهوه بثعلب إذا أغار. درس النحو والشعر وعلم المعاني والغريب على ابن الأعرابي وسلمة بن عاصم والجمحي وغيرهم. أخذ عنه الأخفش الأصغر ونفطويه وابن الأنباري والزاهد. قال أبو الطيب اللغوي: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة، وعلى سلمة بن عاصم في النحو. ألّف عدة كتب في اللغة مثل الفصيح الذي ذاع صيته وأُلّفت حوله عدّة دراسات، وفي الألفاظ والنحو مثل المصون، واختلاف النحويين، وفي القرآن مثل إعراب القرآن، ومعاني القرآن والقراءات، وفي الشعر مثل قواعد الشعر، ومعاني الشعر؛ شرح دواوين الأعشى وزهير والنابغة الذبياني والنابغة الجعدي، والموفقي (مختصر في النحو)، والتصغير، وما ينصرف وما لا ينصرف، والشواذ، والأمثال، والأيمان والدواهي، والوقف والابتداء، واستخراج الألفاظ من الأخبار، والهجاء، وغرائب القراءات، والمسائل، وحد النحو، وما تلحن فيه العامة. توفي سنة 291ه، بعد أن ثقل سمعه في آخر عمره، ثم صُمّ، انصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر، وإذا بدوابّ من ورائه، فلم يسمع صوت حافرها فصدمته، فسقط على رأسه في هوّة من الطريق، فلم يقدر على القيام، فحُمل إلى داره ومات في اليوم الثاني.