كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، منهم: أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل وشهرته الأخفش الصغير 235 - 315ه / 849 - 927م وهو نحوي، من أهل بغداد، أقام بمصر منذ سنة 287ه إلى 300ه خرج بعد ذلك إلى حلب، ثم عاد إلى بغداد، وتوفي بها ودفن في مقبرة قنطرة بردان. ومن آثاره: شرح سيبويه والأنواء والمهذب. كان بينه وبين ابن الرومي منافسة، فكان الأخفش يباكر داره ويقول عند بابه كلاماً يتطير به، وكان ابن الرومي كثير التطير، فإذا سمع كلامه لم يخرج ذلك اليوم من بيته، فكثر ذلك منه، فهجاه ابن الرومي بقصائد كثيرة، وهي مثبتة في ديوانه، وكان الأخفش يحفظها ويوردها في جملة ما يورده استحساناً لها وافتخاراً، فلما علم ابن الرومي بذلك أقصر عنه.