هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، المشهور بابن جني، ولد في الموصل عام 322 ه، ونشأ وتعلم النحو فيها على يد الأخفش، وكلمة (جني) معربّة عن الرومية، ومعناها: الفاضل، النبيل، العبقري. ويذكر ابن خلكان أن ابن جني قرأ الأدب في صباه على يد أبي علي الفارسي حيث توثقت الصلات بينهما، حتى نبغ ابن جني بسبب صحبته، حتى أن أستاذه أبا علي، كان يسأله في بعض المسائل، ويرجع إلى رأيه فيها، وقيل في صفاته أنه كان أشقر أعور. اشتهر ببلاغته وحسن تصريف الكلام والإبانة عن المعاني بأحسن وجوه الأداء ووضع أصولاً في الاشتقاق ومناسبة الألفاظ للمعاني. له ما يفوق الخمسين كتاباً، أشهرها كتاب (الخصائص) الذي يتحدث فيه عن بنية اللغة وفقهها. مسألة قلب الواو وصادف أن زار أبو علي الفارسي الموصل ودخل على المسجد الجامع في المدينة وابن جني يُقرئ الناس علوم اللغة العربية، ويقال إن المسألة التي كان يناقشها هي قلب الواو ألفاً في نحو قال وقام، فلفت انتباهه هذا الشاب الذي تصدّر للتدريس وهو ما يزال يافعاً، فيسأله سؤالاً في التصريف، يحاول ابن جني قدر استطاعته أن يجيب عنه، فيقول له أبو علي: «ما زلت حصرماً وتريد أن تجعل من نفسك زبيباً»، في إشارة إلى أنَه تعجّل في التدريس. عاش ابن جني في عصر ضعف الدولة العباسية ومع ذلك فقد وصل إلى مرتبة علمية لم يصل اليها إلا القليل، وكانت وفاته سنة 392 ه. كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءا من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظا لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: