سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا يرحل الشيب عن دار أقام بها، حتى يُرحِّل عنها صاحبَ الدارِ (مسلم بن الوليد) ألا وا وجودي وجد عودٍ على الصبا، تذكر لعّجات الشباب وشاب (سرور الأطرش) الشيب في الشعر الشعبي والفصيح
ورد في كتاب (محاضرات الأدباء للأصفهاني): إن الإمام أبا حنيفة قال للمزين (الحلاق): - التقط هذه الشعرات البِيض.. فقال الحلاق: - لا تلتقطها فإنها تكثر.. فقال أبو حنيفة باسماً: - إذن التقط الشعرات السود لعلها تكثر!.. والأمام يعلم أنه إذا حلّ الشيب فلن يرحل، ولكنه يداعب الحلاق! وفي مأثورنا الشعبي أن رجلاً عجلاً في رأسه شيب كثير جاء للحلاق (وكانوا يسمونه الحجام لأنه يقوم بالمهمتين معاً: الحجامة والحلاقة) وبمجرد أن جلس عنده وكشف رأسه قال بعجلة: - في رأسي شيب واحد؟! قال الحلاق: - يطيح وتشوفه!! فصار قوله (يطيح وتشوفه) مثلاً شعبياً أورده الأستاذ الجهيمان، ويضرب لكل أمرٍ سيتضح بدون شك.. على أي حال ورد في الشيب أشعار وأقوال كثيرة، ما بين قادح ومادح، بعضهم يشكو والآخر يتجلد ويتظاهر بأن الشيب رزانة ووقار.. قال دعبل الخزاعي: «لا تعجبي يا هندُ من رجلٍ ضحك المشيب برأسه فبكى» ويقول دعبل نفسه مرحباً بالشيب (وللشعراء أطوار!!) «أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه سمة العفيف وحلية المتحرج ضيف ألمَّ بمفرقي فقريته رفض الغواية واقتصاد المنهج» قريته: أضفته، كأن الشاعر يردد المثل الشعبي (إذا كان زادك ماكول فرجت)! * * * ولدعبل نفسه: «إن المشيب رداء الحلم والأدب كما الشباب رداء اللهو والطرب» وقال أعرابي (وأجاد): «أرى الشيب مذ جاوزتُ خمسين حجة يدب دبيب الصبح في غسق الظلم هو السمُّ إلا أنه غير مؤلم ولم أر مثل الشيب سماً بلا ألم» ويهم علي بن الجهم ألا يشيب رأسه على جهل: «إذا لم يشب رأس على الجهل لم يكن على المرء عار أن يشيب ويهرما ومن ضعفت أعضاؤه اشتد رأيه ومن قومته الحادثات تقوما» ويقول الأصبهاني - وذكر الخضاب أي صبغ الشيب بالحناء: «في مشيبي شماتة لعداتي وهو ناعٍ منغص لي حياتي وهو ناعٍ إليّ نفسي، ومن ذا سرّه أن يرى وجوه النعاة؟! ويعيب الخصاب قوم وفيه لي أنس إلى حضور وفاتي» ومن نادر شعر الجاحظ (وفيه سخريته المعهودة): «إن حال لون الرأس عن لونه ففي خصاب الرأس مستمتع هب من له شيب له حيلة فما الذي يحتاله الأصلع؟!» لم يدرك الجاحظ زمن زراعة الشعر! * * * وهزأت جارية بشيب أبي دلف العجلي - وكان كريماً فارساً- قال: «تهزأت إذ رأت شيبي فقلت لها لا تهزئي من يطل عمر به يشب فينا لكن وإن شيب بدا أرب وليس فيكن بعد الشيب من أرب» والمتنبي يكره الشيب ويذمه تارة: «أبعد بعدت بياضاً لا بياض له لأنت أسود في عيني من الظلم» ويتحداه تارة أخرى معتبراً أن روحه شباب على طول: «وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه ولو أن ما في الوجه منه خراب يغير مني الدهر ما شاء غيرها وأبلغ أقصى العمر وهي كعاب» ويرى البستي أنه لم يكتمل رأيه ولم يستقم عقله إلا بعد أن عوج المشيب ظهره: «ما استقامت قناة رأييَ إلا بعد أن عوج المشيب قناتي» * * * ويرى أحد الشعراء الشعبيين أن الشيب هو بريد الموت: «ترى الشيب سبر الموت فيانفس فاقنعي وخوفي وارجي من عليك رقيب إلى عاد شيبي ما يرد سفاهتي ألا وا وجعي ما في عيابي طيب!» ويتوجد سرور الأطرش على الشباب الذي غاب، ويتوجع من الشيب الذي أقبل كالظلمات، ويتذكر أصدقاءه الذين أخذهم الموت كما ملح خلط بالماء وذاب.. في شعر له بليغ: «ألا وا وجودي وجد عود على الصبا تذكر لعجات الشباب وشاب يهوم بالمراجل باغي مثل ما مضى ينوض ويونس بالعظام عياب أنا اليوم يا (حماد) ربعي تفرقوا كما ملح أمسى بالغدير وذاب أنا اليوم ما تقوى عظامي تقلني كما السيق يومى به بغير قضاب» يا الله حسن الخاتمة..