سألت صديقي القطري عقب فوز المنتخب القطري لكرة اليد بالوصافة في بطولة العالم عام 2015، هل أنت فخور بهذا المنجز الذي حققه منتخب «قطري» كل عناصره من غير القطريين؟ أجاب دون تردد: الحقيقة أتظاهر بالفرح، مسايرة للجو العام، لكن لست فخورا بهذا الإنجاز ولا بالمنتخب، وحتى وهو يرتدي شعار بلادي ويحمل اسمها، إذ لم أشعر ولو للحظة واحدة أن هذا المنتخب يمثلني، وأراهن أن أبناء البلدان التي أتى منها هؤلاء الذين يرتدون شعار بلدي ويلعبون باسمه هم أكثر سعادة وفخرا مني، فهؤلاء الأبطال هم أبناء جلدتهم ونتاج بلدانهم التي دربتهم وصنعت منهم نجوما ثم استأجرناهم نحن ليحققوا لنا إنجازات مصطنعة لا تمثلنا حقيقة. هذه الحكاية تختصر تجربة قطر في التجنيس، وكيف ينظر أبناء قطر لمنتخباتهم في مختلف الألعاب، إنها انتصارات «مزيفة»، وبلا روح ولا طعم ولا أي قيمة «وطنية» لها، كما يقول كثير من القطريين، بل إن بعضهم شبهها بشراء الشهادات العليا أو أوسمة هم أول من يعرف أنها بلا قيمة حقيقية. صحيح أن تجربة التجنيس ليست حكرا على قطر وكل الدول تقوم بالتجنيس الرياضي، لكن قطر هي الدولة الأكثر ممارسة للتجنيس عالميا، وفيما تلجأ الدول إلى تجنيس لاعب أو اثنين لتطعيم منتخباتها وفي حدود ضيقة للغاية، فإن القطريين بالغوا كثيرا في الاعتماد على التجنيس، وكثيرون يسخرون من الإسراف القطري في هذا المجال الذي بلغ حد تجنيس منتخب اليد بكامله في بطولة العالم عام 2015، مستغلين ثغرات قانونية، حيث ضم المنتخب القطري 11 لاعباً مجنساً من بلدان مختلفة، بواقع ثلاثة لاعبين من مونتينجرو، وأربعة لاعبين من مصر والبوسنة، ولاعب واحد فقط من كل من تونس وإسبانيا وفرنسا وكوبا! فضيحة قطرية ما قامت به قطر في منتخب كرة اليد كان عملا غير مسبوق، واعتبر فضيحة رياضية من العيار الثقيل، وهذا استدعى أن يطلق رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السابق سيب بلاتر، تحذيرا لدولة قطر من انتهاج سياسة التجنيس لتشكيل منتخب قوي ينافس في مونديال 2022، على غرار ما قامت به أخيرا مع منتخبها لكرة اليد. وانتقد بلاتر الاتحاد الدولي لكرة اليد، الذي سمح لقطر بتجنيس لاعبين من البوسنة والهرسك وكوبا وفرنسا وإسبانيا ومونتنغرو، واصفا الأمر بأنه «سخافة». كما اعتبر أن ما قام به هؤلاء اللاعبون يناقض تماما «روح تشكيل منتخب قومي»، مؤكدا عدم سماح الاتحاد الدولي لكرة القدم بتكرار ما حدث في بطولة العالم لكرة اليد، مشيرا إلى أن قواعد «فيفا» تحول دون تكرار الأمر مجددا. وانتقدت صحيفة «لوموند» الفرنسية ما فعلته قطر، ووصل بأحد كتابها وصف المنتخب القطري بالمرتزقة، قائلا: «فرنسا تواجه منتخب مرتزقة يقودهم مدرب إسباني». في حين كان موقف صحيفة «لكسبرس سبورتس» أقوى بقولها: «لو فازت قطر بالمونديال فهذه نهاية التنافس الرياضي العادل». وبحسب لوائح «فيفا»، فإنه يجب أن يولد اللاعب أو أحد والديه في الدولة ليحق له اللعب في صفوف منتخبها الوطني، أو أن يعيش اللاعب في الدولة لخمس سنوات على الأقل، قبل أن يتمكن من اللعب في صفوف منتخبها الوطني بعد حصوله على جنسيتها. تجنيس الناشئين وذهبت قطر بعيدا في لُعبة التجنيس إلى حد أنها تجنس رياضيين صغارا من درجة الناشئين، وهذا مؤشر على أن البيئة الرياضية ولأسباب موضوعية أهمها قلّة عدد السكان، غير قادرة على توليد المواهب، ما يعني أن عمليات التجنيس الرياضي في قطر ستستمر إلى مالا نهاية. وإذا كان الجمهور القطري تحمس للتجنيس في البداية بحثا عن انتصارات رياضية سريعة ولو كانت «مزيفة» ومنزوعة «الروح الرياضية»، فإنهم أخيرا وبعد الإخفاقات المتوالية للفرق والمنتخبات الكروية القطرية في المنافسات الإقليمية والقارية، بدأوا يتململون من هذه التجربة، وارتفعت أصوات قطرية كثيرة تعبر عن استيائها وخيبة آملها من نتائج تجربة التجنيس، وطالب بعض الإعلاميين بالاعتماد على أبناء قطر، بدلا من هدر مئات الملايين من الدولارات على تجنيس لاعبين لا يحققون شيئا للكرة القطرية. ومن هؤلاء الإعلامي القطري محمد سعدون الكواري الذي سخر من تجنيس اللاعبين الأجانب بقطر، إذ قال في تغريدات على حسابه الشخصي ب«تويتر»: «هناك عشرات المجنسين والملايين المهدرة والنتيجة صفر»، حيث طلب من المنتخب أن يُكمل المباريات القادمة بعيال ديرته حتى لو نتج أن يكون ترتيب المنتخب القطري الأخير، وذلك بعد الهزائم المتوالية في التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2018، إذ كانت النتائج مخيبة لآمال القطريين. إدمان على التجنيس وبعد أن أيقن المسؤولون القطريون أن تجربة التجنيس الرياضي انتهت بالفشل، حاولوا أخيرا وقبيل تصفيات مونديال روسيا 2018 التقليل من عدد المجنسين في صفوف المنتخب، إذ يمثلون أكثر من 50% لكن محاولتهم قوبلت باعتراض شديد من مدرب المنتخب القطري لكرة القدم الأوروغواياني خورخي فوساتي الذي لوح بالاستقالة، في حال طبّق الاتحاد القطري خطة لاستبعاد اللاعبين المجنسين من تشكيلته، وقال فوساتي: «إن خطة الاتحاد القطري لتقليل عدد اللاعبين المجنسين قد تقلص فرصها في التأهل لكأس العالم 2018 في روسيا». وأضاف: «سمعت عن خطة بشأن استبعاد اللاعبين المجنسين والاعتماد بشكل أكبر على الشبان القطريين، لا أتفق مع هذه النقطة في المرحلة الحالية»، وتابع: «إذا أراد الاتحاد القطري المضي في طريق آخر فسأحترم القرار تماما، وسيكون من الأفضل لمنتخب قطر أن يعين مدربا آخر يدعم وجهة نظره». وهذا يكشف حجم المأزق الذي وصلت إليه الرياضة القطرية التي تعتمد على التجنيس، فلا هي تستطيع المضي في تجربة ثبت فشلها، ولا هي قادرة على التخلي عنها والاعتماد على أبناء قطر الذين أهملوا طيلة العقود الماضية بسبب الاعتماد على تجنيس اللاعبين الجاهزين. السخرية والإهانة ليس سرا القول إن منتخبات قطر تعرضت بشكل مستمر للسخرية في كل البطولات والمحافل الرياضية التي تشارك فيها، إذ إن الوفد القطري في التجمعات الرياضية يقابل بالكثير من الازدراء باعتباره حضر للمنافسة بشكل غير شريف، معتمدا على لاعبين مرتزقة استأجرهم لتمثيله مقابل المال، وكان ينظر للمنتخبات القطرية من قبل الجماهير أو من قبل الفرق المنافسة، كما ينظر لجيوش المرتزقة في الحروب، وهذا بلا شك كان يحرج المسؤولين القطريين الذين رغم أنهم يدركون أن التجنيس ظاهرة عالمية وتلجأ لها كثير من البلدان، لكنهم في الوقت نفسه يعلمون أيضا أن لا أحد يفعل مثلهم، إذ إن المنتخبات الدولية الأخرى تجنس لاعبا أو اثنين وفي أضيق الحدود، فيما المنتخبات القطرية تتشكل في غالبيتها من لاعبين مجنسين قادمين من دول مختلفة، ولطالما تندر الإعلام الرياضي من أن المنتخب الكروي القطري الأول يضم 12 جنسية دولية، وعلى طريقة صدق أو لا تصدقك هل تعلم أن 12 دولة ممثلة بالمنتخب القطري؟! ونتساءل نحن «هل هو منتخب الدول أم منتخب الدولة»؟ دينيس «مسعد فرحان» ورغم أن المسؤولين القطريين لا ينكرون قيامهم بالتجنيس على نطاق واسع، ويتبجحون بأنهم ليسوا الوحيدين من يفعل ذلك، إلا أنهم في الوقت نفسه وبشكل متناقض يقومون بإطلاق أسماء عربية على بعض اللاعبين الأجانب ممن يقبلون حمل أسماء جديدة، لأن بعض اللاعبين رفض تغيير اسمه كالأرجواني سبياستيان سوريا وآخرين. وعن حكاية تبديل أسماء اللاعبين المجنسين قال محمد بركات لاعب الأهلي المصري السابق: «عندما كنت محترفا في صفوف فريق العربي القطري انضم لاعبا كينيا سريعا جدا اسمه دينيس، ولكنه اختفى بعد أسبوع قبل أن يظهر مرة أخرى في صفوف الفريق ولكن باسم مسعد فرحان». ابتذال الجنسية القطرية العروض القطرية بالتجنيس التي راح بعض المندوبين القطريين يسوقها أمام كثير من نجوم الكرة لم تكن دائما تحظى بالترحيب والتقدير من هؤلاء النجوم، وخرج منهم كثيرون عبر وسائل الإعلام ليعلنوا رفضهم حمل الجنسية القطرية، وهو ما شكل إحراجا لدولة قطر، فقد كان رفض بعض اللاعبين حمل الجنسية القطرية وبطريقة مهينة، كان يمس الاعتزاز الوطني لدى الشعب القطري بالصميم، وكانت وسائل الإعلام القطرية لا تنشر مثل هذه الأخبار، لكنها على كل حال تصل للشعب القطري وتثير امتعاضه واستياءه البالغ من هذه المواقف التي تسيء لسمعة وهيبة ومكانة الدولة، واعتزاز مواطنيها بها. ومن هؤلاء اللاعب العراقي زانا علي المحترف في صفوف نادي رين الفرنسي الذي رفض دعوة الاتحاد القطري من أجل اللعب لمنتخب قطر مقابل منح الجنسية القطرية له ولعائلته، حيث أكد في تصريحات صحفية أن الاتحاد القطري عرض عليه اللعب مع منتخبه الكروي مقابل منحه الجنسية القطرية له ولعائلته حين المجيء للدوحة، إضافة إلى مبالغ مالية هائلة ومغرية. ويعد النجم المصري محمد أبو تريكة آخر من رفض الجنسية القطرية، لكنه ليس الأخير على كل حال. فقدان الهوية وإذا كنا نتفهم الأسباب الديموغرافية التي دفعت الحكومة هناك بتوزيع الجنسية القطرية بالجملة والمفرق، فإننا لا يمكن التغافل أن هذا الإفراط والاستسهال في التجنيس، أدى في نهاية المطاف لخلق مشكلة حقيقية تتمثل بالهوية الوطنية والثقافية لدولة قطر، ويبلغ عدد المواطنين القطريين فقط 14 % من عدد السكان الكلي، وعندما ندقق النظر بالمشهد القطري نجد أن البارزين ليس في الرياضة فقط بل في مختلف المجالات والأنشطة هم من المجنسين، القاضي، والمفتي، والشاعر، والأديب، والفنان، والإعلامي.... إلخ، وهو الأمر الذي يجعل المراقب يسأل: أين الاستثمار بابن البلد، أين جهود رعاية المواطن القطري وتأهيله حتى يتمكن من احتلال مكانة المجنسين؟ وإلى متى ستستمر قطر في التجنيس على حساب أبناء البلد الأصليين، فمهما قدم المجنس للبلد فلن يكون مثل القطري، وكما يقول المثل الذي يردده القطريون كثيرا كلما صدموا بما يقدمه المجنسون للوطن «ما يحك ظهيري إلا ظفيري».