بصدور رسائل أنسي الحاج التي أحدثت موجة من التساؤلات، أتوقف قليلا لتَبصر الموقف، فأنا لا أستطيع أن أنكر على العشاق الكتابة عن حالاتهم الإنسانية التي تمنحهم دفعة للحياة، في بداية التسعينات لم أنظر لرسائل غسان كنفاني كما نظر الكثيرون وتشعبت آراؤهم كما يحدث الآن كنت أرى الحب يتسايل بين الورق، أرى العاشق الشفيف يمسح بيديه الدمع ويقلب صفحات رسائله التي رأت النور أخيرا، لكن ماذا يعني بعد الحجر الكبير الذي ألقته السمان في مائها الراكد، يبدو أنه لم يكن كافيا لزيادة رضاها الجواني عن نفسها واستمتاعها بإعادة اللحظة لها، باعتقادي أن حالة الحب تعيد الروح لذات الألق الذي مرت به في تلك اللحظة تعيد حالة الحزن والفرح وكأنها لحظة متجمدة في دواخل الكلمات، لكن لماذا ينبغي علينا نشر غسيلنا أو نشر مشاعر الآخرين وكأننا بمنأى عن العلاقة متفرجين على الحالة، حينما أستعيد رسائل كنفاني الآن أشعر بقيمة الغبن الواقع عليه وعلى أسرته، وإن كانت رسائل غادة السمان إلى غسان اختفت بحسب تصريحاتها فأين التي كتبت للشاعر اللبناني أنسي الحاج، إنها الحاجة إلى المتعة التي افتقدتها الأنثى وإعادة حقن روحها بهرمون الاهتمام الذي انطفأ مع العمر وأصبحت أقانيم من تذكارات. وهي أيضا حالة ساكنة داخل المبدع الحقيقي وجنون لا يعرف المبدع متى تتم ساعة إشراقه. لم تكن رسائل كنفاني والحاج هي الأولى تاريخيا في تاريخ الأدب العربي والإنساني، وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة فهذا الكم من الجنون والحاجة لا يخرج من الدائرة الإبداعية بالمطلق، ويخرج من دائرة الحسابات العقلانية لأن الكاتب الحقيقي جائع للاهتمام وللمبادرة الجديدة التي تخلع شبابيك القراء دفعة واحدة كموجة بحرية، وكما أرغب بالوقوف كمحلل لصغائر السلوك أقف إلى جانب الإنسان المراهق الذي يسكن دواخلنا ويذكرنا بنا، بماض يحاول الانسحاب معتذرا عما أصبحنا عليه، والحاجة والاهتمام ليسا عار الكاتب بل وقوده الذي يمنحه الانطلاق ويشعره بالحياة، يستعمران روحه وجسده الذي أصبح صوى لرحلة بعيدة جدا، بل أصبح شريحة الذاكرة له. لم تتوقف صاحبة «أعلنت عليك الحب» عن الاعتناء بنفسها وطرح نفسها كامرأة جاذبة ملهمة للمبدعين تتحرك بحرية في دواخلهم الحزينة والملونة تبتعد وتقترب حسب حاجتها لهرمون السعادة الذي يكمل غرور المرأة في دواخلها. ففي بداية رسائلها لكنفاني كتبت غادة بأنها ستكتب عن آخرين بعد الموت، ولا أعلم أن هذا الحبل سيكون إن أمد الله في عمرها، هل سيتفق الشارع الثقافي أن هذا السلوك هو عبارة عن إفلاس أدبي كما تداول الكثير عبر منصات التواصل الاجتماعي، أم أن هذه الحالة هي حالة من تخيير الحياة للمبدعة بطريقتها النكوص للداخل الجميل الذي يمنح الآخر الراحة والسلام. لست معنيا كما كنت حينما نشرت أوراق كنفاني بموجة الماء التي رششت صفحات الجميع من غضب واستنكار إنني معني بحالة الجمال التي خلفتها بالرغم من كل الإشكاليات التي قد تطرح بتقصد.