كانت ليلة باردة جدا وممطرة، رائحة الأشجار تتسلل إلى روحي كفارس قرر أخيرا أن يسرق "قلب" الأميرة ويهرب، فيما كنت أسمع أغنيات الرصيف المبتل تطرق تصوراتي حول ذلك "الظرف الأصفر" الذي وصلني عبر البريد من باريس يحمل اسمي، وطابع لبومات شعرت بأنهن جئنا بالكلام كله.. كنت أقبض على ذلك الظرف المغلق بإحكام بين أصابعي بفرح شديد كطفلة حصلت على نصيبها من حلوى الفرح وركضت نحو الشجرة لتلتهمه كله فيما تركت بقايا الشوكلاته على فمها، في كل مرة كان البرق يطرق نوافذ السماء كنت أدس شيئا من ذلك الظرف المغلق تحت معطفي كمن يحمي "فرخا" يخشى أن يفزع ويطير.. رائحة الظرف تشبه رائحة غيوم باريسية فرت إلى هنا وحجمه هو بحجم تلك المرأة التي بعثته لتغري بداخلي مزيدا من الحياة في ليلة شتوية اختارتها لتهبط في مدينة تتعرى للدهشة.. ذلك الظرف كان يحمل بوحا وشيئا من الصور وبعضا من روح "غادة السمان" التي اختارت هذه الطريقة البعيدة عن التقنية لتزيد المفاجئات بداخلي وتحرضني نحو الخصوصية في هذا المكشوف معها. حدثتني عبر الهاتف لتخبرني بأنها بعثت لي بكل "الغيوم والحب" فيما علقت بعد أن ضحكت تلك الضحكة التي تجمع في قلبها كل الصخب.. بوماتي يحيونك.. فقلت لها "ولكنني أخاف من البومات. أشعر بأن في عينيها اتهام" ضحكت من جديد وقالت "البومات بريئة من ذلك الاتهام ياعبير.. ماذا أفعل بك.. ربما فعلت شيئا يجعلك متهمة.. ضميرنا هو الاتهام!! أنظر لصورة طفولتها فأعلق "أنت طفلة جميلة".. فتقول لي "طفلة عربية أصيلة. وعفوية، كأنها طفلة أحسائية.. أليس كذلك؟ حملت الماضي في حقائبي حتى لا أنسى أخطائي لن أشبه يوما «ياسمينة» مجففة في كتاب أجنبي الشاعرة والروائية المبدعة "غادة السمان" تدخل المكشوف لتقول لي " أذن القلب تعيش حتى إن لم يسمع قرع طبول صمتنا أحد.. والحلم الكبير لدي أن أصير جدة "أسألها عن المصادفات المدهشة فتقول لي بأن الزمن لم يكن شحيحا معها في ذلك "أضع أصبعي قريبا من قلبها وأقول لها "غسان كنفاني أمازال هنا".. فتقول لي "ليس هناك حب يلغي حبا آخر".. أقول لها "كيف هي باريس؟ تقترب مني لتهمس "لا أريد أن أكون أدبية فرنسية من أصل عربي" رسائل غسان الغرامية لي.. كشفها هو بلسانه وقلمه الكاتبة والشاعرة المدهشة غادة السمان تدخل المكشوف.. لتبوح، تتذكر، تحب وتضع القرارات ثم بعد كل ذلك تعترف بأنها عاشقة نزلت للسباحة يوما فغرقت. أبجدية الأحلام: * ذلك الماضي وتلك الأيام تمر. تنقض علي كطائر نقر بمنقاره أعشاش الروح، ألتقط أوجاعها، ذكرياتها ورحل.. ما أصعب أن نعيش ونحن مازلنا بأيد مشدودة إلى سنوات مخبئة في أوراق الزمن الذي كنا فيه وكانت فيه الأحلام.. كيف كان شكل أيامك القديمة؟ ماذا تتذكرين منها؟ ومالذي أسقطته منها؟ اختبأت في رداء رجل مجنون تنبأ بمصير بيروت - أحببت الصيغة الشعرية الجميلة في سؤالك ولكن ماورد فيه لاينطبق على موقفي من الماضي ولا يعبر عني لا من قريب ولا من بعيد! الماضي في نظري ليس "اعتقال" ولا "مستنقع رمال متحركة نغوص فيه بأيد مقيدة" إلى سنوات في أوراق الزمن الذي كنا فيه وكانت فيه الأحلام " كما تقولين. فالأحلام تولد كل يوم، وبالذات الأحلام الأبجدية وهي محور حياتي، هاجس الأدباء الدائم تحويل نقطة حبر إلى بحر. والماضي مصنع لبناء الحاضر والمستقبل لا مقبرة رومانسية. الماضي لم يستعبدني يوما بل وظفته لكي لا أنسى أخطائي على الرغم من أنني أكرر بعضها، فأنا بشر! الماضي في نظري مطار نحلق منه اليوم إلى الغد بمشاريع متجددة.. أنا بحاجة إلى الماضي لأقوم بتصويب بوصلة الحاضر والمستقبل، ولأرسم خارطة الطريق الآتي.. فكل يوم هو أول يوم من بقية أيام حياتي. تشبهني «غادة» أكثر مما ينبغي وأضحك معها حتى الثمالة لعبة التخفي: * كتبت (كل الذين يكتمون عواطفهم بإتقان، ينفجرون كالسيل إذا باحوا) أتتقنين لعبة التخفي بعواطفك عن الآخرين؟ أي اللحظات التي دفعت بك للانفجار كالسيل حتى غرقت في البوح؟ - حين أكتب عن مدينتي الأم "دمشق" وعن وطني العربي الغالي الذي تصادفت أنني ولدت في "زقاق الياسمين" منه خلف الجامع الأموي الدمشقي انفجر كالسيل بين آن وآخر. أما في حياتي اليومية فأنا لا أثقل على الآخر بهمومي الشخصية. وبالمقابل الأديب يتقن لعبة التخفي داخل أبطال قصصه. لا أرتاح إلى نظرية الأغاني التي تقول «أنت وبس اللي حبيبي» في روايتي "بيروت 75" مثلا توهم معظم النقاد أن "ياسمينة" بطلة الرواية ترسم بعض ملامحي على نحو ما هي قادمة من دمشق إلى بيروت بحثا عن النجاح والحرية، وكنت في حقيقة الأمر أختبئ داخل "فرح" بطل الرواية الآخر المجنون الذي اقتلع من مدخل بيروت في "طريق الشام" لوحة "مدينة بيروت ترحب بكم" وزرع في مكانها لوحة "مستشفى المجانين" التي هرب منها، يتوهمنه مجنونا وهو العاقل الذي يرعبه مصير بيروت كما حدسه، وللأسف الشديد صحت نبوأته فالرواية صدرت حين كانت بيروت ترقص نشوة وقبل انفجارها بأسابيع في حرب مجنونة. غسان كنفاني طبول الصمت: * نصمت. لأن الذي ظنناه يسمع الكلام يعي مايسمع، نصمت ونعير للوقت أن يسمعنا ونترك في تلك المسافة الضجة التي بداخلنا لتقول عنا كل مارغبنا أن نقوله للآخر ولم يشعر به أو يلمسه.. لماذا نفقد الحواس مع البعض فلا نعود نسمع إلا من خلال قلوبنا؟ أيمكن للحوار أن يموت؟ - لانفقد الحواس مع البعض بل نفقد الحوار وهكذا نفتش عن محاور آخر!! نتذكر أن صلتنا مع البعض قد تموت أما الحوار فلا يموت وملذات الحوار مع القارئ الحالي والمستقبلي، وجمالية الحوار تكمن أيضا في ثرثرة صامته بين المؤلف وأحد القراء حتى بعد موت الكاتب.. أذن القلب تعيش وتبقى على الرغم من أحداث عابرة عن "آخر" لم يسمع قرع طبول صمتنا.. ونحن.. هل نسمع دوما قرع طبول صمت" الآخر؟ غادة السمان طفلة شامية جدية الضحك: * كتب نزيه أبو عفش (شخص يشبهني، حياني ومضى، فمضيت ثم دخلت إلى ظلمة نفسي، فضممت يدي على رأسي وبكيت).. أتشبهك غادة السمان؟ حينما تبكيان معا من فيكما يسمع وجع الآخر قبل؟ أتغادرك أم أنها تلتصق بك دوما؟ - هذا النص من قصيدة نزيه أبو عفش جميل ولكنه لايعبر عن عالمي الداخلي.. تسألين أتشبهك غادة السمان؟ والإجابة ببساطة.. ربما أكثر مما ينبغي! ثم من قال أننا نبكيان معا هي وأنا إذا فرضنا جدلا أن الأمر كذلك؟ ولماذا لا نضحك معا بدل البكاء، بل ونضحك حتى الثمالة؟ ثمة من ضجر من "حضارة البكائيات" وأنا منهم.. والضحك قضية جدية أيضا. عشق الصحافة: * هناك عند بلاط صاحبة الجلالة "الصحافة" تحولت، فهمت، كبرت بها ومعها، بكيت وحلمت وابتسمت وخذلت. وجدتها انقضت على روحي لتحررني.. تلك المجنونة غيرتني.. وماذا عن "الصحفية غادة السمان" التي كانت النجمة الأولى في صحافة لبنان.. أتذكرينها؟ كيف استطعت أن تشفي من هذا الإدمان الكبير والعشق؟ وماهو ثمن نجومية الصحفي برأيك؟ - لم أجد نفسي فجأة ودون سابق إنذار أقف في أي مكان. أنا مسؤولة عن كل خطوة قمت بها، هذا أولا. ثم أنني لم أشف ولا أريد الشفاء من عشقي للعمل في الصحافة. فذلك الحب المجنون أغنى حرفي الأدبي.. ولا اكتمك أنني مريضة حتى العافية برغبتي الدائمة في الكتابة للصحافة في عمود أسبوعي. للصحافة فضل كبير على نموي الأبجدي الإنساني وأتساع رقعة الرؤية في قلمي، كأن الصحافة هي المرض بالعافية الفنية والأدبية، لولا الصحافة لماذا ذهبت إلى "سجن النساء وإلى مستشفى المجانين، وتعارفت مع عالمه وأغنيت رواياتي بغير مجنون، ولولا الصحافة لما خرجت مع الصيادين من منتصف الليل حتى الفجر وتعارفت مع عالمهم، ولما كانت شخصية "مصطفى الصياد" في إحدى رواياتي، ولولا الصحافة لما تعارفت مع لبنان الحقيقي بقراه وأحزانه وطوائفه ولما كانت رواياتي عنه ليلة المليار "سهرة تنكرية للموت" " كوابيس بيروت"، ولولا الصحافة لما حملت الكاميرا في وادي "قنوبين" وتركت سيارتي وركبت الحمار للتعارف مع دهاليز قلب لبنان وكنوزه الروحية والحكاية تطول.. ثمن النجومية الصحافية؟ المزيد من القراء وذلك رائع! لاأحب قراءة تذمر أنصاف المشهورين من (متاعب النجومية) وثمة من لم يسمع أصلا بهم!! غادة السمان وغسان الكنفاني رحمه الله جائزة نوبل: * خلف الجوائز يكمن أسرار بعض الأشخاص وكثيرا مايكون خلف الجائزة التي تهبنا إياه الأقدار "شخصية" تؤمن بقدراتنا.. والمفكر التونسي هشام جعيط "كان خلف ترشيحك لجائزة نوبل للآداب لعام 2013 ماذا تعني لك الحصول على جائزة كجائزة نوبل؟ أيمكن أن يكون خلف الجوائز دوما حكاية "اسم"؟ ماذا تقولي لهشام جعيط؟ - مامن أسرار أمامي أو خلفي فأنا لم أحصل يوما على جائزة عربية أدبية باستثناء جائزة لبنانية منذ ألف عام، أما عن ترشيح المفكر الكبير هشام جعيط لي للجائزة وقبول الأكاديمية للترشيح وإدراجي على قائمتها احتراما لرأيه وهو الكاتب الناجح جدا والمقروء (يكتب بالفرنسية وتصدر كتبه عن أكبر دور النشر الباريسية) فتقضي الأمانة الأدبية الاعتراف بأن أول من رشحني لجائزة نوبل هو أديب سعودي. إنه حمد عبدالله القاضي ورشحني يومئذ برفقة المبدع غازي القصيبي، بعده رشحني العديد من الشخصيات والأسماء الكبيرة وأذكر منهم الشاعر اللبناني حافظ محفوظ والأديب الليبي خليفة التليسي والمحامي الأديب عبدالحميد الأحدب رئيس "هيئة التحكيم العربية" والأديب جميل جبر رئيس جمعية القلم العالمية (pen club) في لبنان، والزميل عرفان نظام الدين في كتابه "ذكريات وأسرار" والإعلامية الروائية هاديا سعيد وسواهم. ماذا أقول للبروفسور هشام جعيط الذي كان أول من توافق أكاديمية نوبل وتدرج اسمي على قائمة المرشحين لها عاما بعد آخر من الآن فصاعدا (الشاعر أدونيس مثلا سبقني إلى إدراج اسمه على اللائحة بعقد ونصف) لا أقول للمفكر الكبير هشام جعيط شيئا لأنني أعرف أنه لم يفعل ذلك إكراما لشخصي فنحن لم نتعارف بل إكراما للأدب العربي. الدكتور بشير الداعوق رسائل حب: * في رسائل خاصة كتب لك الأديب والصحفي الراحل غسان كنفاني ( إن المسافة التي ستسافرينها لن تحجبك عني، لقد بنينا أشياء كثيرة معا لايمكن، بعد، أن تغيبها المسافات ولا أن تهدمها القطيعة لأنها بنيت على أساس من الصدق لايتطرق إليه التزعزع. ولكنني هذه المرة سأمضي وأنا أعرف أنني " أحبك " وسأظل انزف كلما هبت الريح على الأشياء العزيزة التي بنيناها معا). قمت بنشر رسائل الحب السرية التي جمعت بينك وبين الأديب الراحل "غسان كنفاني" والتي أثار نشرها ضجة كبيرة.. أتظني بأن "غسان كنفاني" لو كان حيا سيوافق أن تنشري رسائل الحب تلك التي تبادلتماها بشكل خاص؟ لماذا يحب الناس مطاردة الحب الذي نشعر به ونعيشه مع الآخر.. ثم محاسبتنا عليه بشراسة وقسوة؟ الدكتور حازم الداعوق ابن غادة - السؤال في محله. والإجابة ببساطة: غسان حين كان حيا كان هو ينشر رسائل حبه لي في الصحف وبين الأصدقاء، وإليك بعض الشهادات والوقائع حول ذلك توضح أنني لم أقم بالبوح بسر.. الإعلامية الكبيرة ليلى الحر زميلة غسان كنفاني في "جريدة المحرر البيروتية في "زمن الرسائل" كتبت شهادة تقول فيها "هيام غسان بغادة يعرفه القاصي والداني ممن عاشوا.. وتداخلت حيواتهم بأدبهم بفكرهم بنضالهم. ومن خلال عمود شبه دائم على صفحات الجريدة التي يرأس تحريرها غسان كان يبثها غرامه، كان غراما مشاعا، وغادة السمان لم تقم "في كتاب الرسائل" بفضح علاقة، بل كانت العلاقة مفضوحة بلسان غسان وقلمه". وكتب رفيق درب غسان وصديقه المناضل محمد زيد (ص 134 من كتاب الرسائل) يقول "كان غسان يقرأ علينا نتفا من رسائله إلى غادة وكنا نصاب بما يشبه الوجوم ونحن نراه يكاد يذوب في كل كلمة، وكل حرف حتى لكأنه يمارس طقوس صلاة". والشهادات كهذه كثيرة.. وبالتالي. غسان نشر رسائله لي وهو حي، فلم لا أفعل ذلك احتفاء بذكراه وهو الذي صار شهيدا كبيرا حقيقيا؟ غادة السمان مقارنة الحب: * ماذا بقي من "غسان كنفاني في قلبك الآن؟ أيختلف ذلك الحب عن طبيعة الحب الذي ربطك بزوجك الراحل الدكتور بشير الداعوق؟ أيمكن لقلب المرأة أن يتسع لأكثر من حب؟ أيمكن أن يكون لدى الرجل ذلك الاتساع؟ - لم أنجح يوما في المقارنة بين نجم وآخر وبين حصان عربي رائع وآخر، كما لم أنجح يوما في المقارنة بين رجل وآخر في حياتي فكل رجل نحبه كوكب قائم بذاته له مجرته ومداراته ومناخاته وزمنه، والزمن النفسي لدينا. تسألين أيمكن لقلب المرأة أن تسع لأكثر من حب وهل للرجل ذلك الاتساع؟ والإجابة ببساطة هي أنني لا أدري بالمقياس المطلق، وبوسعي التحدث فقط عن نفسي لأقول أنني لا ارتاح إلى نظرية الأغاني مثل "القلب يعشق مرة مايحبش مرتين" و"أنت وبس اللي حبيبي" وسواهما، فالحب كلمة ملتبسة كما أكرر دائما ومن طرفي اعتقد أنه مامن حب يشبه الآخر ومامن حب يلغي الآخر، بالمقابل تقضي الأمانة الأدبية الاعتراف بأن بشير الداعوق له فضل كبير على مساري الأدبي فقد تعامل معه كما عاشق الفن لودفيك ملك بافريا مع فنان أحب عطاءه هو المبدع فاغنر. نزار قباني كان زوجي على العكس من معظم الذكور العرب يغضب إذا شاهدني خلف "طاولة المطبخ" لاخلف "طاولة الكتابة". صوت القلب: * كتبت (لأجل النصف الذي يحبك، أقول نعم، وأقول لك لا، أقول لك تعال، أذهب، أقول لك لاأبالي وأقولها كلها مرة واحدة في لحظة واحدة وأنت وحدك تفهم ذلك كله).. أيمكن للحب أن يخلق منا أكثر من كائن في مرة واحدة؟ وماذا عمن أحببناه ولم يفهم كل ذلك دفعة واحدة.. أيمكن أن نصدق حبه؟ - من غير المهم أن نصدق هذا أو ذاك من المهم أن نصدق قدرتنا على الحب الشاسع لبقية جيراننا في هذا الكوكب.. من طرفي كتبت مرات أنني أحيانا أحب الحب وأكره الحبيب! فالحب تحليق وحرية أبجدية، والحبيب قفص.. أكرر أن يصدق هذا أو ذاك أو لايصدق، ليست المسألة.. المهم أن نصدق صوت قلبنا أولا. فالحب نظرة كونية شاسعة تضم مخلوقات الطبيعة كلها تغتني بها الأبجدية بسيالات مكهربة تشع بها ضياء قمريا. الكتابة للحزن: * في الحزن المفرط أحب أن أزور الأماكن المزدحمة.. أبتاع وجعي وأقرضه لأصوات الغرباء وأعود.. لمن تمنحين حزنك.. للوحدة أم للضجيج؟ مالذي يحزنك ياغادة؟ - لا أفعل ذلك.. بل أكتب ثم أنني أكتب أدبا لا رسائل نواح إلى هنا وهناك، بل أعجز عن الكتابة المباشرة كما يحزنني على الصعيد الشخصي لأنني أعرف أن لدى الآخرين من الهموم الذاتية مايكفي ويزيد. بعض الذين نكب الدهر بهم بالشهرة يتوهمون أن شهرتهم تبيح لهم النواح على أكتاف الآخرين، والتورم المفرط للأنا لديهم ينسيهم أن لدى "الآخر" همومه وأحزانه وهي خطيئة علمني عملي في الصحافة عدم اقترافها لأن الصحافة هي فن الاستماع إلى هموم الآخرين والإبداع هو أن تصير "الأنا" هي "الآخر" أيضا. ترف غير مباح: * وهبك الله في الحياة ابنا واحدا فقط وهو "حازم" وحينما لا نملك إلا ابنا واحدا فذلك يعني بأننا نتحول إلى آباء وأبناء معا لذلك الواحد.. متى تكوني "أم" لحازم؟ ومتى تتحولين إلى "ابنته" التي تحتاجه؟ - لم أسمح لنفسي يوما بالتحول إلى (ابنة) لأبني. ذلك ترف لا أبيحه لنفسي ولا لسواي. ولم يقترف المسكين ذنبا لأنني لم أنجب له أخا أو أختا، الدكتور حازم الداعوق ابني فقط وليس عكازي وأنا فخورة به على الصعيد العلمي أيضا فقد استطاع بعد أربعة أعوام فقط من التدريس الجامعي في واحدة من أرقى جامعات الولاياتالمتحدة أن يفرض نفسه كخبير مالي وتم إدخال اسمه في موسوعة المشاهير العالمية who is who" "بهذه الصفة ولكنني اعترف بأنني أحيانا تلك" الأم المزعجة" التي تطارده برغبتها في أن تراه متزوجا وأبا لتصير جدة! أحلم بأن أصير جدة وهو الحلم الوحيد الذي أعجز عن تحقيقه دونما (دعم) من ابني. الدكتور حازم الداعوق جمهورية مستقلة في نظري وليس من حقي التدخل في مسار حياته، ولكن من حقي التمني بأن أراه متزوجا وأبا. لعب الأطفال: * كتب نزار قباني (أيتها المدهشة كألعاب الأطفال، إنني أعتبر نفسي متحضرا لأنني أحبك، وأعتبر قصائدي تاريخية لأنها عاصرتك، كل زمن قبل عينيك هو احتمال، كل زمن بعدها هو شظايا. فلا تسأليني لماذا أنا معك). أيمكن أن يكون هناك رجل "كنزار" يعترف بأنه متحضر لأن امرأة تسكن قلبه؟ وأين هي الآن المرأة المدهشة كلعب الأطفال؟ - لست محايدة حين أجيب على الأسئلة حول نزار قباني فهو قريبي (ابن عمتي) وقد قام برثاء والدتي (التي رحلت وأنا طفلة لاتعي شيئا) على المنبر في حفل تأبينها في قصيدة رائعة موزونة مقفاة هي بحوزتي بخط يده فقد كان هو يومئذ في العشرين من العمر ورحلت أمي قبل أن تبلغ الثلاثين وتعارف مع حلو مجلسها الأدبي بحكم القرابة العائلية وبالتالي فأنا منحازة إلى مايقوله نزار دون أن انتقد ذلك، كالقول مثلا بأن المرأة المدهشة العربية متوافرة ولكنها ليست كلعب الأطفال ولا أحاجي العباقرة ولا أحلام الشعراء المرأة العربية المدهشة إنسانة متحضرة تبتهج حين يسكن قلبها رجل يحترم إنسانيتها. العودة: * في باريس تعيشين وهناك تقرضي الحياة بقية طريقك.. أيهما اختار أولا. باريس اختارتك؟ أم أنك من اخترت "باريس"؟ أتعيشين الغربة هناك تحت الصفر؟ أم لديك أحلام تضع صخب المدينة تحت وسادتك وعند موقد المدفئة؟ - لا ياعزيزتي.. لا أقرض الحياة في باريس بقية طريقي كما تقولين، أعيش كل لحظة بامتلاء بحاضر إبداعي وإنساني، كما أنوي العودة إلى عالمي العربي لأنني لا أريد أن أكون يوما "أديبة فرنسية من أصل عربي" أنا عربية لم تطلب يوما جنسية أخرى وأنوي العودة إلى الوطن وأخطط لذلك عمليا. ألم أقل لك لن أشبه يوما ياسمينة دمشقية مجففة داخل دفتي كتاب بلغة أجنبية؟ سأعود إلى وطني العربي - بإذن الله - وإذا كفت بيروت عن حروبها المفضلة سأعود إلى بيتي هناك على شاطئ البحر، وإذا لم تكف عن أمزجتها الحربية سأعود أيضا بين قذيفة وأخرى!! المصادفات المدهشة: * ليس هناك أجمل من " صدفة لقاء " تحدث لنا حينما نجد هناك على احد المقاعد المجاورة للبحر شخص ما لم نكن نتوقع ملاقته يوما، بعد أن قضينا العمر كله في انتظاره.. من هو الذي حلمت كثيرا أن تجديه ينتظرك عند مقعد فارغ هناك؟ وماذا تفعل بك المصادفات غير المتوقعه والمدهشة؟ - كالبشر كلهم أستمتع بالمصادفات غير المتوقعة ولم يبخل الزمن علي بها، لكنني بالمقابل لا انتظرها ولا أحلم بها، ويسعدني دائما الالتقاء بالمفاجأة الحقيقية أي بمن لم أكن أتوقع التعارف معه.. فالمصادفة المدهشة ليست مع من عرفنا بل من لم نلتق به من قبل. * ماهو السر الذي لم تقوليه يوما لأحد؟ - سأقوله لك لأنني أقوله كل يوم في كل ما أكتبه ولا يتنبه إليه الكثيرون. السر باختزال: أنا عاشقة في محبرة. نزلت للسباحة فيها ذات يوم فغرقت! ياعزيزتي هل قلت لك ذلك من قبل؟