بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتمِ رُسُلِ الله ,, وبعد قبل سنة تقريباً .. كتبتُ مقالاً عن الأخ الغالي الفقيد / صالح بن إبراهيم الطليان ، أسكنه ربي في أعلى الجنان ، والذي قمتُ بنشره في منتديات نعجان .. لكنَّ .. مشاعري وأحاسيسي وكلماتي .. لم .. ولن .. تنتهي اتجاه هذا الإنسان الذي رحل عنِّي وعن محبيه في تاريخ 5 / 2 / 1431 ه .. فهذا هو أنا .. وهذه دنياي .. وهذه هي حياتي .. وهذا هو عالمي .. وهذه هي أناملي أسطِّر بها ما يجولُ بداخلي ، وما يخطر في نفسي من ذكريات ، دوِّنت في سجلِّ ذاكرتي ، فحتى هذا اليوم وعقلي يختزن كلَّ موقف جميل وحزين عشتُ أيامه مع الفقيد ، من جوارٍ قديم ، ومن ذكريات الدراسة ، ومن عملٍ في النوادي الصيفية ، وغيرها من المواقف الجميلة التي لا تنسى .. فقد رحلْتَ .. يا من كنت تحملُ بين جنبيك قلباً طيبا أبيضا ، ومن عاشر هذا الإنسان يجد أنه لا يحمل في قلبه على أحد من الناس .. وسبحان الله !! كأنه يعلم أن رحيله عن هذه الدنيا قد اقترب .. فقبل موته بأيام ذهب يعتذر من كل شخص أساء إليه .. أو حصل بينه وبين شخص عداوة أو بغضاء .. رحلْتَ .. يا صاحب الابتسامة العذبة التي لا تكادُ أن تفارقَ محيَّاك .. والتي عند كثيرٍ من الناسِ في هذا الزمن قد ماتت وتلاشت واختفت .. ولا أبالغُ إن قلت : أنَّ هذا الإنسان محبوب من الناس جميعاً ، حتى إن من يجلس مع الفقيد ، فإنه يَسعدُ ويَأنسُ بالجلوسِ معه .. لأنه رحمه الله ، كان صاحبَ طرفةٍ ومزاحٍ غير متكلَّف .. صديقي .. كنت تغدو مبتهجاً .. وتروح مبتسماً .. ينشرح قلبي للقيا بك .. فبفراقك يا صديقي .. نسيت معنى " الابتسامة " .. رحلْتَ .. يا صاحبَ الصوتِ الجميل .. الرخيم .. الحزين .. يا من كنت تنعش نادي الخزامى الصيفي ، ونادي نعجان الصيفي .. بأذانك الحزين وإنشادك الجميل ، وكذلك بتمثيلك على خشبة المسرح .. يتزيَّنُ النادي بحسن حركاته **** كتزيُّنِ الهالاتِ بالأقمارِ رحلْتَ .. وإني أحسبُ عند الله أنك بارٌّ بوالديك .. محبوبٌ عند إخوانك وأخواتك وأعمامك وأخوالك وأصحابك وخلاَّنك .. نعم أحبتي .. هذا هو رمضان الثاني يمر عليَّ وعلى محبي هذا الفقيد ، وأعيننا قد افتقدت هذا العزيز الغالي .. هذا هو رمضان الثاني يمر ومسجد بن باز رحمه الله قد افتقد هذا العزيز ، الذي طالما أسعدنا برؤيته في صلاة التراويح والتهجد في الأعوام الماضية .. وما أجمل وأروع تلك الليلة المباركة .. ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من عام 1429 ه في مسجد بن باز رحمه الله .. التي اعتكفت فيها أنا والفقيد وبعض الأحبة ، والتي كانت بحق ليلة لا تنسى .. فآهٍ .. ثم آه .. عندما أقف إماماً في المحراب .. وأتذكر أن الفقيد قد وقف في مكاني .. حيث طلب مني رحمه الله ، في أحد ليالي رمضان بعد أن انتهينا من صلاة التراويح ، أن يؤذن فقمت بتسجيل الأذان بالفيديو .. فإني لا أستطيع حينها أن أتمالك نفسي .. وأن أكتم عبارتي .. فأقول أحبتي .. أين الذي كان يؤذنُ .. وينشدُ .. ويمثل ؟ أين الإنسان الذي أَحبهُ الصغيرُ قبل الكبير ؟ أين الذي قد لا تغيب عيني عن رؤيته كل يومٍ أمام المنزلِِ أو المسجدِ بسيارته ؟ أين الذي كان يصلي معنا في مسجدِ الشيخ ابن بازٍ في الأعوام الماضية صلاة التراويح والتهجد ؟ إنه وربِّي .. موسَّدٌ في لحده .. مرتهنٌ بعمله !! وبعد فقد هذا الحبيب الغالي .. أدركت أن الحياة بطبيعتها وخضمِّ بحرها لا تصفو لأحدٍ أبدا .. وأننا والله بعيدون عن حقيقة هذه الدنيا وتفاهتها ، وأننا نلهث ونجري وراء حطامٍ زائل .. وأن الموتَ أقربُ لأحدنا من شراك نعله كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وعندما تأملت كيف رحل أخي الغالي (( صالح )) في لمحة بصر .. قلت : فلماذا التهاون منَّا في الصلاة .. ولماذا عقوق الوالدين !! ولماذا الطعن في أعراض الناس .. ولماذا تتبع عورات المسلمين !! ولماذا الكذب .. ولماذا المجاملات !! ولماذا الكبر .. ولماذا الغطرسة !! ولماذا الحسد .. ولماذا الحقد !! إن السعيد منا حقاً .. من عرف حقيقة هذه الدنيا وزخرفها .. وعمِل لآخرته .. وتأهَّب لما في قبره .. واستعدَّ للوقوف في آخرته !! *** ما قبل النهاية *** حدثني من أثق به .. أن شخصا رأى رؤيا في الفقيد .. أنه جالسٌ في روضة خضراء .. وعليه لباسٌ أبيض ، يقرأ القرآن الكريم .. وحدثني كذلك حبيب عزيز إلى قلبي .. أنه رأى في المنام أن الشيخ فيصل الشدِّي حفظه الله .. دخل ليخطب الجمعة ، فقام الفقيد الغالي يؤذِّن للأذان الثاني وهو مبتسم .. وحدثني من هم قريبين منه من أبناء عمه الأعزاء .. أنه نطق بالشهادة قبل موته ، فنرجو عند الله تعالى أن تكون هذه بشائر خيرٍ له .. أخيرا .. حبيبي القارئ .. هذه بعضاً من الذكريات والأخبار الجميلة سُقتُها إليك ، والتي يطول مداها ويتعذر ذكرها ، وما بقي في الذاكرة أكثر وأكثر ، والتي لا أستطيع أن أنساها أو أبعدها من سجلاتي ، فالذكريات الجميلة لا تعود كما كانت ، بل يبقى ذكرها خالداً في القلوب ، فلا تنسى يا قلم ،، فالحبر ذكرى .. والفراق ألم .. ومن الأمنيات التي كنت أتمناها حقيقة ، هي أن أقبِّل رأس هذا الإنسان ، وأن أنظر إليه نظرة وداعٍ قبل رحيله عنَّا إلى عالم الآخرة ، لكن الله لم يكتب لي ذلك .. ::: تنبيه ::: أحب أن أنبه على أن كل كلمة سُطِّرت في هذا المقال ، هي تعبير عن مشاعر خاصة للكاتب ، فكل كلمة كتبت ، وكل موقف ذكر ، هو تعبير لما رأت عيني حقيقة ، وعشت أيامه مع الفقيد ، حتى لا يقول البعض أنك بالغت في الوصف والكلام .. ::: همسة ::: بفقدك يا صديقي أشتكي .. وأدعو الله لك بالرحمة والمغفرة .. وأن يسكنك ربي فسيح جناته .. وأن يجمعني بك ووالديك ووالديَّ ومن نحب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أخوكم الفقير إلى ربه / علي بن عبد العزيز القعيضب .. البريد الالكتروني : [email protected]