بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : الحديث عن الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين – رحمه الله - حديث يمتزج فيه الحزن بالذكريات الجميلة التي إذا تذكرها محبّوه لم يملكوا دمعاتهم وهي تهراق على خدودهم . لقد كان الشيخ أمة قانتا لله حنيفا . وكان أمة في رجل ، ولكن كأعظم ما يكون الرجال !! كنتُ كثيرا ما أردِّد حين أبصر محيّاه البسام وأرى عطاءه الأسطوري أقول : هذا بقية السلف !! حينما نقرأ سير عظماء سلف هذه الأمة وكيف كان بذلهم لهذا الدين نرى الشيخ وكأنه يعيش بينهم !! إن الحديث عن صفات الشيخ يطول كثيراً ، ولا يمكن اختزال ذلك التاريخ الوضّاء المشرق المليء بالبذل والتضحية والخير الوافر في أسطر معدودة . فماذا عسانا أن نقول عن قامة العلم والعبادة والزهد والجود ؟!! ماذا تقول قوافي الشعر عن رجل كل يقول له: هذا هو الرجلُ لقد كان موته فجيعة من فجائع الدهر ، ورزية من رزايا هذه الأمة التي عاش الشيخ موجها ومعلما لها أكثر من نصف قرن من الزمان !! ولم يكن - رحمه الله- يعمل هذه الأعمال التي ينوء بعملها أولو القوة والبأس من الرجال طلبا للشهرة ومعسول الثناء ، كلا ، فليست تلك من صفاته .وكل من رأى الشيخ رأى في وجهه الصدق والإخلاص ، نحسبه كذلك والله حسيبه . لو لم تكن فيه آيات مبيِّنة لكان منظره ينبيك بالخبرِ كنت أحدِّث أحد الفضلاء مرة فأقول : هذا الشيخ يصدق فيه قول القائل :" مادحُه وذامُّه سواء " . لقد كنت أشعر أن الشيخ يعيش وكأنه في غير عصره ، فلم تغرَّه هذه الحياة ببهرجها وزخرفها الفتان . ولو أراد أن يظفر بمتاعها ويعبَّ من عُبابها لعرف الطريق إلى ذلك ؛ لكنه – فيما أحسب- ممن قال الله فيهم : {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص لقد كان يتتبع الخيرَ مظانّه ، ويجتهد في إخفاء عمله ما استطاع إلى ذاك سبيلا . يذكر أحد الإخوة المقربين منه أنه – رحمه الله -كان يقوم من الليل فيحمل طعاما وما تيسَّر من مؤونة ويخرج والناس هجّعٌ نيام متخفيا حتى لا يراه أحد ، ثم يضع هذا الطعام عند باب أحد طلابه الفقراء ثم يطرق الباب ويمضي سريعا قبل أن يفتح تلميذه الباب فيعرف من الذي وضعه !! {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (9) سورة الإنسان . يا ألله ما اعظم هؤلاء الرجال !! لطفاً بنا اللهمّ إن مصابنا ** بالشيخِ جرحٌ في الحشايا مؤلم مات الذي قد كان بدراًساطعاً ** فتياهُ في حلك البلاء البلسم الحلمُ شيمتهُ ولكن حينما ** يُعصى الإلهُ فإنما هو ضيغمُ سمحٌ عطوفٌ ذو وقارٍ مؤمنٌ ** عَفٌّ تقيٌّ زاهد وغَطمْطَمُ بكت الجزيرةُ بعد فقدك يا أبي ** بطحاؤها ووهادها والأنجمُ ورثتك حلْقات المساجد حسرةً ** أنَّتْ وأضحتْ بالنشيج تُغمغِمُ ونعاك أهل العلم أنت إمامهم ** أنت الفقيهُ وفي الحديث مقدّمُ وأرى الفقير ينوح حين تركتَه ** وكذا الثكالى قد بكت واليُتَّمُ والأرض كلُّ الأرضِ قد فُجعتْ بمن ** هو للهدى والمكرمات المعْلَمُ إن غاب صوتك في الحياة فإنما ** ذكراك في كل القلوب تُزمْزمُ بُوِّئت في دار النعيم منازلاً ** ووقيتَ ناراً جمرُها يتضرمُ وسلام ربي يا فقيدُ عليكمُ ** ما ناح طير في الضحى يترنّمُ رحمك الله يا أبا عبدالرحمن ، لقد أتعبت العلماء بعدك ... فسلام الله عليك يوم ولدت ، ويوم متَّ ، ويوم تبعث بين يدي ربك ... وجزاك الله عن أمة محمد خير الجزاء وأوفاه وأسناه وأعلاه ، وجمعنا بك في دار النعيم المقيم إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. بقلم : عبدالله بن محمد العسكر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود – فرع الخرج