لست معتاداً على قراءة المقالات الطويلة، لما يحسه القارئ من الملل ولما للإطناب أحياناً في سطور ليس لها آخر مع أسلوب البعض الذي غالباً لا يخرج بخلاصة واضحة تروي ظمأ القارئ أو تنمي تفكيره، إلا في عدد الجزيرة رقم 14117 توقفت عند هذا الرقم (متعدد الخانات) وأنا أقرأ مقالة لبنى عصام الخميس وهي ترثي جدها المغفور له بإذن الله عبد الله بن خميس مؤسس صحيفة الجزيرة، وقفت لحظات تأمل مع عباراتها وكلماتها المؤثرة وأنا ألحظ بعيني تلك الأرقام الكبيرة من أعداد الجزيرة الشامخة، ووداع ابن خميس المؤسس لها، نعم إنها عقود من الزمن صاحبها العمل الجاد، والمصداقية في الخبر، نعم عقود من الزمن توالت خلالها أعداد النجاحات والتميز، استوقفتني سطور حفيدة ابن خميس حينما بكت والدها - رحمه الله - وذكرت مصارعته للمرض وتصويرها لحال جدها حينما قام بزيارته بالمستشفى وما دار بينهما من حوار (إنني أشعر ولكني لست بجازم أنك راض عني.. فهل أنت حقا راضٍ عني؟ فقال له جدي عبد الله - رحمه الله - بل أنا راضٍ عنك كل الرضا وأعادها ثلاث مرات متتالية، دار بينهما حديث بالعيون فقط عن الشوق والحياة والأقدار والخوف، ودعا جدي له بالشفاء العاجل ورحل..أ.ه). لا أحد يستطيع وصف مشاعر الأبوة الحانية، وعواطفها المتدفقة، ولن نستطيع التعبير والبوح بما نكنه من حب لآبائنا وأمهاتنا غفر الله للأموات منهم وأطال بقاء الأحياء، يذكر لي أحد الأصحاب قصته مع والده فيقول: كنت يومها طفلا صغيراً أحب اللهو واللعب وكان والدي لا يألو جهداً في تسخير كل ما أحتاجه وقام على تربيتي تربية صالحة وصحبني للمدرسة في أول يوم دراسي حتى أجلسني على مقعد الدراسة واطمأن علي وأوصى معلمي بحسن تربيتي وتعليمي ثم ودعني وذهب، وهذا أول يوم يبعدني عن بيتي وأبتعد عن حضن والدتي الدافئ، كان يوماً دراسياً جميلاً نلعب ونعمل كل ما يحلو لنا دون قيود حتى جاءت ساعة العودة للمنزل فعدت وأنا أحمل حقيبتي الجديدة بدفاترها وكتبها الجديدة، وإذا بأمي تنتظرني عند باب المنزل والفرحة لا تفارق وجهها المشرق وتأخذني بأحضانها وتسألني عن يومي الدراسي وأسألها ماذا أعدت لنا من غداء، وتجيب أعددت لك كل ما تشتهي من أطيب الطعام، وهكذا مضت سنوات الطفولة بأفراحها وأحزانها، ببراءتها وعفويتها، سألته بعد هذه السنوات العديدة والذكريات الجميلة كيف هي حال والديك اليوم، أجابني الحمد لله، لقد هرما كثيراً ويحتاجانلرعاية الدائمة، وأحيانا يصيبهما بعض الألم فقد أعياهما المرض والكبر ولكنهما ولله الحمد يتقويان بقوة الإيمان بالله والاحتساب، وذكر بأنه يقوم بقدر استطاعته برعايتهما، حتى ذكر أن أباه همس في أذنه يوما قائلا: (لقد أتعبتك معي يا وليدي) يقول فقبلت رأسه ويديه وحاولت إخفاء دمعتي، وقلت أبدا لم تتعبني أطال الله بقاءك، أقول ذلك وأنا أتذكر أول يوم دراسي اصطحبني معه للمدرسة، وقصة كفاحه في تربيتنا حتى قوي عودنا، أقول ذلك وأنا أنظر لوالدتي وأتذكر حضنها الدافئ وليالي السهر التي أحرقت عيونها حينما كنت أتضجر من الحمى التي أصابتني في طفولتي، غفر الله لآبائنا وأمهاتنا ونسأله تعالى أن يرزقنا برهم أحياء وأمواتا، اللهم آمين. محمد بن عثمان الضويحي - محافظة الزلفي