يمكن للحرية الإعلامية أن تستخدم ضمن أخلاقيات يتم تحديدها واحترامها ذاتياً، ويحدث الالتزام بها تحقيقا لعناصر السلم الوطني والاجتماعي، غير أن ما شهدته بعض وسائل الإعلام الكويتية خلال الفترة القليلة الماضية من إساءة مفرغة من أبسط قواعد الاحترام كان العكس المطلق لكل ما يمكن فهمه حين نتحدث عن حرية الإعلام كمبدأ، فضلا عنها كتطبيق. ردود الأفعال التي رصدها متابعو هذه القضية خلال الأيام القليلة الماضية، سواء في حديث الناس أو في الحوارات التفاعلية لم تكن مكتفية فقط بتوجيه الإدانة، ولكنها كانت تستغرب في أشياء عدة ليس أقلها وجاهة.. إذا كان هناك فعلا من يرغب في انتقاد شخصية لها قيمتها الجمعية.. فهو يحمل مقومات انهزامه بمجرد أن يفعل ما يفعله بكل ذلك التحامل، ويقول ما يقوله بكل ذلك الاحتقان، فالأمر لم يكن منطقياً في جملته ولا في تفصيله، قد يعلق أي شخص ببساطة "ما الذي يريده هذا بالضبط؟" فالأمر لا يدخل في دائرة التفكير به عقلانيا.. بل إنه يظهر بتجرد تام حتى من استخدام أي عنصر موضوعي، إنه ذلك النوع من التصريحات التي لا تحتاج عناء التفنيد، لأنها تفند نفسها، وفق أبسط بديهيات الفهم بمجرد أن تكون بذلك الشكل تحديدا. في لحظات معينة تخرج القضية من شكلها المبدئي، لتدخل في امتدادات أخرى قد لا يكون لمنتهاها علاقة بما بدأت به، وهو ما رصده متابعو القضايا الإعلامية التي حدثت في مراحل سابقة، وكانت مؤدياتها جميعا تندرج في سياق الحلول التخريبية والعنيفة في إطارات متعددة لا تحكمها بأي حال من الأحوال.. ثقافة نقد العمل الإعلامي. وهو ما يجعل من المهم توجيه النظر إلى المشهد العام، حيث يصبح تطبيق المعايير الأخلاقية في التداول الإعلامي ضرورة لا يمليها الواجب المهني والمشتركات الإنسانية والاجتماعية فحسب، بل تفرضها أهمية التعامل بمسؤولية مع مختلف الظروف والمستجدات التي تدور في المشهد الإعلامي عبر وجهه الخارجي المتماس مع أجندات متغيرة، والداخلي الملتصق بحياة الناس وثقافتهم وآرائهم وتفكيرهم، وهذا الجانب الأخير كان حاضرا على نحو شديد الوضوح في قضية الإساءة التي تعرض لها الشيخ عبدالعزيز بن باز، حيث كانت الإدانة المباشرة من مختلف شرائح المجتمعين الكويتي والسعودي. الرد.. من أجل الوقوف عند الحد نقلت "الاقتصادية" التي تابعت الدعوى القضائية وفق تقرير أعده الزميل " هيثم السيد " و التي تقدم بها المحامي والمستشار الكويتي مفرح غريب المطيري ضد كل من رجل الأعمال محمود حيدر وخالد الشطي. وقد جاء تحريك هذه القضية بتوكيل من أبناء سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- يرحمه الله- إثر الإساءات التي طالته من قبل كل من محمود حيدر وخالد الشطي في قضية شهدت تناولا واسعا على مستوى الإعلام وحديث المجالس والصحف الإلكترونية. المحامي والمستشار مفرح المطيري قال في اتصال هاتفي من الكويت إن القضية بدأت مع قيام المحامي خالد الشطي بتوجيه عبارات مسيئة تضمنت إشارات بذيئة بحق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، إضافة إلى ربط منهجهما بالجماعات الإرهابية، وقد تم بث تلك العبارات على شريط قناة العدالة بتاريخ 22 مارس 2011، فضلا عن تداولها في صحف إلكترونية عدة. وأضاف المطيري قائلا "مكتبنا بوصفه وكيلا عن ورثة الشيخ بن باز بدأ في إجراءات رفع الدعوى القضائية حسب قانون الإعلام المرئي والمسموع ضد المحامي خالد الشطي، إضافة إلى محمود حيدر الذي يمتلك المجموعة الإعلامية التي نشرت التصريحات، وذلك من أجل إحالتهما إلى المحاكمة ومواجهة المساءلة القانونية والجزاء العادل إزاء ما تسببوا به من ضرر معنوي ومادي، فضلا عن الإساءة لمشاعر الملايين من خلال الإساءة الشخصية لرموز دينية معروفة بقيمتها العلمية والشرعية واحترامها الكبير في أوساط الأمة الإسلامية. وقال المطيري موضحاً جانبا من الخطوات الأولى لتولي ملف القضية "لقد جاء التحرك المضاد بشكل واسع منذ اللحظة الأولى التي أعقبت بث هذه الإساءات عبر الإعلام، وشمل هذا التحرك أطرافا قانونية واجتماعية وشعبية مختلفة في الكويت والسعودية، قبل أن يأتينا التكليف رسميا من نجل الشيخ عبدالله بن باز، وهو أمر يشرفنا أن نتصدى لمهمة الدفاع عن العلامة والعالم الجليل عبدالعزيز بن باز بما قدمه للأمة الإسلامية وبقيمته العلمية والدينية الكبيرة التي نعتز ونفخر بها جميعا، ونحن نسأل الله عز وجل أن يكون في عملنا هذا تقرب إليه تعالى". وقال في السياق ذاته، سنعمل كل ما في وسعنا من أجل أن تحقق هذه الدعوى أهدافها، وتنتصر لأصحاب الحق، وتكون درسا لكل المسيئين حتى يعرف كل شخص "كيف يقف عند حده، ويعي كلامه، ويعرف عواقب ما يقول" وأضاف المستشار المطيري الذي اتفق على أن القضية مرتبطة باستخدام غير مسؤول لحرية الإعلام "نحن جميعا ننادي بالحرية المسؤولة التي تقف عند الحدود الأخلاقية والقيمية، ليس هناك حرية مطلقة، وإذا وجدت فهذا لن يكون في صالح أي مجتمع". المستشار مفرح المطيري أضاف أن مكتبه الذي يباشر القضية حاليا سيعلن فتح المجال لأكبر قدر من المسلمين الراغبين في الانضمام إلى الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض مدني واعتذار رسمي لا يوجه فقط إلى أبناء الشيخ بن باز "الموكلين"، بل إلى كل أبناء الأمة الإسلامية الذي تسببت له تلك التصريحات بالأذى المعنوي، وأشار المحامي المطيري في الوقت نفسه إلى وجود دعوى أخرى "جزائية" مقدمة في هذا الإطار سيعلن تفاصيلها في حينها، مشيرا إلى ثقته بما تتضمنه الدعوى الحالية من موقف ثابت وقوي في مواجهة تصريحات فوضوية لا تتمتع بأدنى درجات الموضوعية أو الحياد. في الوقت نفسه، أشار المستشار المطيري إلى موقف وزارة الإعلام الكويتية التي طالبت في وقت لاحق باستدعاء المدعوين الشطي وحيدر وإجراء التحقيق معهما بشأن ما بدر منهما، وقال إن الوزارة تدرك خطورة هذا النوع من القضايا في بث الأفكار المسمومة بين المجتمع، وهو ما جعلها تأمر بإحالة القنوات الفضائية التي تتبنى هذا الخطاب الإعلامي المتحامل والمفرغ تماما من أدنى معايير المهنية والانتماء الوطني، إلى التحقيق لنيل الجزاء الرادع، وأوضح "هناك تحرك حكومي على عدة أصعدة، بدءا من رئيس الوزراء إلى وزارة الإعلام.. أثق بأن الدولة على قدر كبير من المسؤولية في التعامل مع هذه القضية". المحامي المطيري اعتبر أن القضية الراهنة تتجاوز نطاق الإساءة إلى الأشخاص وهي تهمة يمنعها النص القانوني، إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال تضمنها لمنطلقات ودوافع معنية بإثارة الفتنة داخل النسيج المجتمعي عبر استثارة واستدعاء الاختلافات المذهبية، ووصف جنوح المدعوين في تلك الحملة الإعلامية بأنه كان نتيجة لما شعروا به من حقد حيال تدخل قوات درع الجزيرة تنفيذا لاتفاقيات التعاون الأمني الخليجي إبان الأزمة البحرينية خلال الفترة الماضية، وهو ما دفع المتهمين – بحسب المطيري - إلى كيل الإساءات الهمجية رغبة في إثارة الرأي العام، وتعزيز عناصر الفوضى، تحقيقاً لأجندة دول خارجية، وأضاف "هذا الكلام لا يخدم المجتمع بأي شيء، بل يتسبب بما لا يحمد عقباه.. هو كلام عار من الصحة وأجزم أن الذين تحدثوا به يدركون ذلك، لكنهم يقولونه فقط تعبيرا عن حقد دفين لديهم". وفي رده على سؤال الاقتصادية حول احتمال أن يكون لهذه القضية تأثيرها في مستوى تنظيم هامش الحرية الذي يتم استغلاله بطريقة بشعة، توقع المطيري أن تشهد المرحلة المقبلة تحركاً على مستوى السلطات التنفيذية والتشريعية باتجاه سن قوانين تكفل حماية الرموز الدينية، وتغلظ العقوبة على كل من يسيء لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالنظر إلى أهمية وضع هذا الجانب في إطار قانوني منظم يحول دون التصرفات العشوائية التي تتسبب في إثارة نزعات تشق الصف الوطني، وتهدد السلم الاجتماعي. وقال "أتوقع أن يكون هناك تحرك أشمل وأوسع على الإطار الحكومي، وعلى إطار مجلس الأمة لسن تشريعات تكفل حماية الرموز الدينية"، وفي الوقت نفسه أوضح المطيري أن العقوبات المحتملة في قضية كهذه تراوح بين الغرامات والحبس، إلا أنه أكد أن مجرد الحصول على الإدانة في المرحلة الحالية سيكون انتصارا للقضية. انكشاف المضمون يبطل تأثير الشكل من الجدير ذكره، أن هذه الدعوى تأتي على خلفية تطاول كل من حيدر والشطي على عدد من الرموز في المملكة من خلال موقع زوم وقناة العدالة. وتناول محمود حيدر وخالد الشطي بالإساءة عددا من رموز وعلماء المملكة، وقد لقيت هذه الإساءات استهجانا في الكويت، حيث تداعى عدد كبير من ممثلي مجلس الأمة ومن المواطنين إلى تنظيم مهرجان خطابي للوقوف في وجه تلك الافتراءات. وفي وقت سابق، وجهت الحكومة الكويتية وزير الإعلام بالإنابة روضان الروضان بتحويل كل من تورط في الإساءة إلى المملكة إلى النيابة العامة. وتلقى المحامي الكويتي مفرح المطيري توكيلا من عبد الله بن باز يخوله رفع قضية تهدف إلى الانتصاف لوالده سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- يرحمه الله- إثر سلسلة الإساءات التي طالته، وكانت إساءات حيدر والشطي قد وصلت إلى شخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد العزيز بن باز. وقد تصدى عدد من كتاب المقالات في الصحف الكويتية لهذه الافتراءات التي ربطها البعض بخلفية المدعى عليهما وتوجهاتهما التي انعكست في توجيههما نقدا غير لائق للعلماء، ووصمهم بأوصاف لا يمكن اعتبارها مجرد نقد من مخالف، إذ إنها تضمنت إساءات شديدة. وكانت هذه الإساءات قد تزامنت مع إعلان المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي رفضهما الشديد للتدخل الإيراني في شؤون الخليج، في إشارة إلى الأصابع الإيرانية التي سعت لتأجيج الأوضاع في البحرين. وعلى أثر ذلك أعلنت دول الخليج العربي إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين، تأكيدا على مساندة البحرين ضد التهديدات الإيرانية. وقال المحامي الكويتي مفرح المطيري في وقت سابق إنه قدم الدعوى القضائية إلى النيابة العامة في الكويت أمس، وأعلن أن الدعوى تم قبولها. ومن المقرر أن تأتي هذه الدعوى بالحق الشخصي لتضاف للتوجيه السابق من الحكومة الكويتية بالتحقيق مع المتورطين بحيث تغطي القضية في شقيها المتعلقين بالجانب الجنائي والجانب المتعلق بمسألة نشر الإساءات خلال وسائل إعلامية كويتية.