الوطن - السعودية "لماذا يخاف الرجل العربي من الحب؟ من السعادة التي يعيشها مع محبوبته، ولماذا تعشق المرأة أن تخبر الجميع بأنها في حالة عظيمة من المشاعر المترفة، وبأنها باتت تملك معطفاً من الحب، يقيها ذلك البرد الذي طالما كرهته" لا يفهم الرجل العربي ماذا يعني الحب للمرأة؟ لذا، تجده يعلن أمام "محبوبته" أنه يذوب عشقاً وحباً في والدته، وكأنه بذلك يؤكد لها أن لهُ قلباً يمكن لهُ أن يحب، لكنه يخشى الإعلان، لذا، فعليها أن تنتظر طفلاً يأتي من رحمها، ويعلن لها أنه يحبها، أما أن يأتي رجل يعلن أمامها أنه يحبها كما لم يحب أي امرأة أخرى، فهذا الأمر يشعره بالخجل، يشعره بأنه يصبح دون شخصية، دون ملامح رجولية، ودون هوية، الاعتراف بالحب أمام المرأة هو أشبه بجريمة شرف أمام بعض الشعوب العربية! لذا، حينما قال لي "لن يعرف أحد ما بيننا، وإن عرف الجميع، سأختفي" ضعت في صمت طويل، لم أجد ما أقوله له، لم أتخيل أنه ينتظر مني إجابة، كنت فقط أريد أن أتأكد أنني أعيش اللحظة الحقيقية، وأنني لست في وقت آخر من الزمان، كما يحدث لي حينما أغرق في أحلام مخيفة، كنت أنظر إليه وأنا أود من كل قلبي أن يعيد كلماته بشكل آخر، أن يرتب ملامحي التي ضاعت بعد عبارته تلك، لوهلة ماتت القصة القصيرة التي كتبها الروائي الأعمى، خفت الوهج الكبير الذي كان يملأ صدري، سقطت الطائرة التي كنت أحلق بها خلال ساعات طويلة، من العراك مع المطبات الجنونية في سماء لم تكن يوماً ملبدة، خلت أن الحب عار، وأن يعرفني رجل عار، وأن أقول إني أحب "فلان" عار. منذ أن عرفته قبل أشهر قليلة، فقدت وزني في أيام، تعاطيت المهدئات بعد كل مشكلة مررت بها معه، تجاهلني كثيراً، لاحقته، طاردته كعاشقة، أرسلت لهُ ورداً ولم يعرف أنه مني، ولم يخبرني بذلك، كنت أراقبه طويلاً، شعري الذي طالما كان يحتل جزءا كبيرا من حياتي، لم أعد أهتم به، نسيت القراءة التي كنت أستلذ بها، كنت أشعر على الدوام بأنه يمكن لي أن أخسر كل شيء، لكن عليّ أن أربحه، كنت مجنونة به حتى أني نزفت عدداً من المرات من فمي وأنفي بسبب عراك تافه معه، كل هذه الأشياء التي فعلتها ولا زلت أفعلها، وهو يطلب مني أن أخفيه عن العالم، وإلا سيختفي. وسريعاً ما تذكرت النساء اللاتي لم يحبلن ولم ينجبن أطفالاً، من سيخبرهن أنهن أجمل الكائنات على الأرض، ومن سيصرح بأسمائهن أمام فتياتهم بالحب. لم ينتفخ بطني ولو لمرة واحدة بأي طفل، ولا أعلم إذا ما كان هذا الجسد سيكون قادراً على أن يحبل أم لا؟ لذا، فلربما سأعيش حياتي كلها، غائبة عن وطن الحضور، عن شتاء البرتقال، عن أن يذكر اسمي رجل يفخر أنه يحبني. وأتساءل الآن، لماذا يخاف الرجل العربي من الحب؟ من السعادة التي يعيشها مع محبوبته، ولماذا تعشق المرأة أن تخبر الجميع بأنها في حالة عظيمة من المشاعر المترفة، وبأنها باتت تملك معطفاً من الحب، يقيها ذلك البرد الذي طالما كرهته. أذكر وأنا صغيرة كنت أتابع الفنانة "لطيفة"، وكانت في ذلك الحين نموذجاً مختلفاً، كان عمري وقتها لم يتجاوز الثانية عشرة، وكنت مبهورة بضوضائها، ببدايات فرحها، بطمأنينة أكواب السكّر، كانت تظهر على التلفزيون أو عبر صفحات المجلات الفنية، وتعلن بفخر المرأة العربية الحُرة، بأنها تعيش قصة حب، لم تكن تخجل من ذلك، كانت تبدو لي "لطيفة" في ذلك الوقت متصالحة مع ذاتها، أو أنها لم تجد أي خوف يمنعها من الإعلان، كنت أتطلع إليها كنموذج مختلف جميل، وكان قلبي يدق كلما تكلمت عن الحب، وكنت أقول حينما أكبر سأفعل مثلها، لست تونسية، ولكني سأكون امرأة "حُرة" مثلها، وأقول للجميع حينما أحب بأني كذلك، لابد أن أكون في وفاق دائم مع نفسي ومشاعري، وكانت بنات عمي يتضاحكن حولي ويقلن لي، جدتي ستكتشف سريعاً إذا ما أحببنا، وكنا بالفعل نخاف من نظرات جدتي "وضحة"، وكنت أقول لو علمت جدتي بأني أحب، ماذا ستفعل بي وأيّ عقاب سأناله؟ هل ستنزع قلبي من صدري أم ماذا؟ لكن جدتي رحلت ولم تكتشف مرة واحدة أني كنت أحبها أكثر من أي رجل جاء في حياتي أو سيأتي. قال جملته ولم يكن يصدق أنني سأظل طوال نهاري أفكر بكل طقوس الحب في وطني العربي، في خليجي، في مدينتي، في قبيلتي، لماذا لا يريد الرجل أن يعرف الجميع أنه يحب؟ لماذا يريد أن يختفي من الوجود، لو سقط اسمه سهواً وأنا أقرأ شعراً أمام زميلات العمل، ماذا لو أني علقت صورته في مكتبي، وقلت للجميع إنه فنان كوميدي أو فنان تشكيلي وتعجبني إبداعاته، وأطلقت عليه اسماً مختلفاً. حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها، أتساءل لماذا يخاف رجالنا من الحب؟ لماذا أنتظر أن ينتفخ بطني ويأتي طفلي ليعلن أمام حبيبته أنه يحبني أكثر من أي شيء آخر في حياته، وإن لم ينتفخ بطني، وإن لم أنجب إلا فتيات، ما الحل؟ هل سأظل أشحذ الحب من رجل لا يخاف من إعلانه!